الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن حرية التعبير في العراق

بواسطة azzaman

أذن وعين

عن حرية التعبير في العراق

عبد اللطيف السعدون

 

في الذاكرة مقولة للشاعر السوري محمد الماغوط مفادها أن للمواطن العربي الحق في ممارسة حرية التعبير فيما للحاكم العربي الحق في حجبها عنه متى شاء، أكثر من ذلك فإن للحاكم الحق في سلب الحياة من مواطنه إذا أراد! تحيلنا هذه المقولة الساخرة الى ما يجري في العراق من ممارسات في ظل العملية «الديمقراطية» التي أسسها الأميركيون، وحظيت بمباركة دولة «ولاية الفقيه»، ووصفها أحد عرابيها الكبار بأنها تجربة فريدة، وأن كثيرا من الدول تريد استلهامها، والتعلم منها.

وجديد هذه التجربة سعي حكام بغداد لتكريس حالة قمع حرية التعبير في نص تشريعي محال الى البرلمان يخالف كل ما توافقت عليه شرائع الأرض والسماء التي عنيت بحقوق الإنسان، وضمنت له حريته، وأمنت كرامته، وهو أيضا يخالف الدستور الهجين الذي شرعنته سلطة الاحتلال قبل أزيد من 20 عاما، والذي ينص على ضمان حرية التعبير دون قيود.

وما تسرب من مسودة التشريع المقترح نصوص تبيح للحاكم، تحت غطاء «حماية النظام العام» ملاحقة ومعاقبة كل من يحاول «الاساءة الى الرموز» أو «الاخلال بالآداب»، وهي عبارات فضفاضة ومطلقة تعطي الحاكم تفويضا في أن يعتبر أي «فاشنيستا» مشهورة تصول وتجول في الفضاء الواقعي أو «بلوغر» معلومة تظهر صباح مساء في الفضاء الإلكتروني رمزا وطنيا لا يحق لأي كان توجيه النقد له، ويمنحه سلطة محاسبة كل من يتصدى لفضح «حيتان» الفساد، أو الميليشيات السوداء لعمله على تقويض النظام العام أو الاخلال بالآداب، وقد تصل العقوبة في بعض الحالات إلى السجن عشر سنوات!

وما يضاعف من قوة السم التي يحملها هذا التشريع أن هناك سعيا حثيثا لإقراره قبل أن تنتهي الدورة البرلمانية مع أن مسودته النهائية لم تعرض على المعنيين كما لم تكن متاحة حتى للكثير من أعضاء البرلمان الذين يفترض أن يطلعوا عليها قبل فترة مناسبة من عرضها للتصويت مما يعني أن هناك نوايا مبيتة وراء محاولة «سلق» القانون، وإنهاء إجراءات إقراره بسرعة.

حجب حرية

ويراد من ذلك، على ما يبدو، نقل العراقيين الى مرحلة أشد قتامة وظلاما مما هم عليه الآن إذ هو لن يكتفي، إذا ما أقر، بحجب حرية التعبير إنما سيدفع للقضاء على حرية التفكير أيضا بالعودة الى وسائل قمع تم اختبارها من بينها الاغتيال والاختطاف والتغييب.

وما حملته وقائع الشهر الأخير من ممارسات يكشف الطريقة التي تدار بها أمور مهمة كالتي يتصدى لها التشريع الجديد، والشواهد على ذلك كثيرة، أكثر من الهم على القلب، ولا بأس من الاشارة لبعضها هنا، اغلاق قناة «البغدادية» الفضائية لدورها في فضح ملفات الفساد، وانتهاكات الميليشيات لحريات المواطنين وأمنهم، وهو ما اعتبرته السلطة «محتوى تحريضيا، ومخالفا للضوابط»، واقدام ميليشيا الحشد على اعتقال محامية معروفة على خلفية ما طرحته في مقابلة تلفزيونية من ملاحظات ناقدة لتشريع إشكالي يتعلق بحقوق النساء، وتسريب صورها الشخصية على مواقع التواصل في إجراء ينتهك قواعد الخصوصية على نحو صارخ، وغير أخلاقي.

وفي واقعة أخرى حكم على رئيس تحرير صحيفة يومية سياسية بالسجن إثر مشاركته في حراك نقابي ضد انتخاب نقيب الصحفيين الحالي، وتأشيره على ممارسات غير مهنية في النقابة، واللافت أن النقيب نفسه هو من وقف خلف الادعاء على رئيس التحرير المذكور، ولعب دورا في إدخاله السجن، وفي واقعة غيرها أحيل إلى التحقيق معد برنامج حواري لطرحه وثيقة تدين مسؤولا كبيرا بالاستحواذ على منزل أحد رجال العهد السابق بدون وجه حق، وفي إقليم كردستان اعتقل صحفي لنشره مقالات تندد ببعض ممارسات سلطات الإقليم.

كل هذه الوقائع الشائنة حدثت في مدى قصير، ودعك من آلاف أمثالها، وربما أسوأ منها، عرفها العراقيون في السنين العشرين العجاف الأخيرة، وبينها اغتيال كتاب وصحفيين وناشطين لا ذنب لهم سوى أنهم رفعوا أصواتهم في مواجهة ماكينة الفساد والقمع واللصوصية.

ما العمل إذن؟

يدعونا «تحالف الدفاع عن حرية التعبير» الذي يرعاه المرصد العراقي لحقوق الانسان أن لا نصمت في مواجهة ما تخطط له التركيبة الحاكمة في بغداد، ويطالب بسحب التشريع، وعدم اقراره، كما يطالب بإطلاق حوار وطني يشارك فيه المعنيون من منظمات مدنية وصحفيين وحقوقيين وأكاديميين وناشطين لصياغة قانون جديد يحمي حرية التعبير وليس لقمعها، ووقف كافة أشكال الملاحقة للأصوات المعارضة والناقدة التي تمارس حقها في التعبير عما تراه، وما تؤمن به.

والى ذلك، ثمة ما خلص إليه «التحالف» من أن الكلمة الحرة هي آخر ما تبقى لدى العراقيين، وعليهم أن لا يفرطوا بها ولا يصمتوا عما يراد لها.


مشاهدات 274
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/08/09 - 2:05 AM
آخر تحديث 2025/08/10 - 12:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 33 الشهر 6749 الكلي 11401835
الوقت الآن
الأحد 2025/8/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير