حوارٌ مع النفسِ.. آن لي أن أحدِّث نفسي
وجيه عباس
دَحْرجتُ أعوامي على أعوامي
ورجعتُ بالبُقيا من الأيّامِ
أفنيتُها، فوجدتُ وجهي دونَها
كانَ الغريبَ، وكنتُ فيهِ الظامي
وحدي، ومن دوني السفينُ، تباعدتْ
أقدامُنا، وَعَدَوْتُ خلفَ لثامي
عيناي تستبقان ظلِّي، والمدى
قَلَقٌ بها، والخلفُ كان أمامي
مُذْ ذاكَ أبقيتُ الظلالَ كما أنا
وَمَشيتُ وحدي فيهِ كالأصنامِ
□ □ □
ماكانَ أنْ تَلِجي الحياةَ كَأنَّما
عشرونَ كفَّاً فيكِ دون زحامِ
فيها تُمَدُّ إليكِ ألفُ ضراعةٍ
كيما تُؤذِّنُ فيكِ بالأحلامِ
وطويتَها والتوبُ دون شفاهِهِ
غيمٌ سيُمطِرُ فيكِ بالأرقامِ
جُبْتِ الحياةَ فما تقادِمُها سوى
ماتحرثُ الأيامُ بالأعوامِ
مُذْ جئتُ فيكِ علامةُ استفهامِ!
وإليكِ عدتُ قيامةَ استفهامِ!!
حتى التعجُّبُ في سِماكِ خطيئةٌ
يا أينَ منكِ غرابةُ الأوهامِ؟
وَكَأنْ شَكَكْتُ بما تقولُ أصابعي
وعليَّ فيها شاهدٌ إبهامي
□ □ □
إني أُحدِّثُكِ اليقينَ لأنَّني
أغضيتُ عنكِ فما يراكِ كلامي
وَلإنَّني كنتُ الحليمَ على المدى
سَأُريكِ بعضَ توحُّدي وسُقامي
سأقولُها، مالا يقولُكِ مُبْغِضٌ
وَأَشِدُّ فيكِ أصابعي بلجامي
وأقولُ يا نفسي صبرتُ ولم يكنْ
حتى ليشفعَ في ضياكِ ظلامي
ولأنتِ أعظمُ مأثمٍ وغوايةٍ
فيها الضميرُ غوايةُ الحُكّامِ
أوْقفتِني وحدي وكنتُ عشائراً
ورجعتُ خلواً من يدي وحسامي
□ □ □
يا ثوبَ اغنيتي وصوتَ قيامتي
ياسيِّدي وربيبتي وغُلامي
يامهرجان طفولتي وشبيبتي
ومآبِ شيبي المحضِ يا أيامي
يا ظِلَّ هذا الظِلِّ بين رغائبي
كأسانِ: كأسُ هوىً وكأسُ حِمامِ
يا أوَّلَ الأشياءِ بَلْ يا آخر
الأشياءِ، كان البدءُ فيكِ خِتامي
يا من يصاحِبُ في البلاءِ تميمةً
ولأنتِ فيها ذِمَّتي وذِمامي
وَلَأنْتِ كنتِ صليبَها بمسيحِها
لو أوثقوهُ، وَزُدْتِ في الآلامِ
وضجيعتي وحدي، ووحدَكِ لم يكنْ
إلّايَّ لو تتقلبي وتنامي
*****
الآن والظِلُّ استطال بريبَتي
جادلتُ فيكِ الظنَّ بالإحرامِ
ووجدتِني وجهاً لوجهٍ لم يكنْ
إلّاكِ مابيني وبين ضرامي
تَتَقوَّليني بيدَ أنِّي مُنْكِرٌ
وعلى لساني لثغةُ الإعجامِ
وأنا الضمينُ بأنَّ سرَّكِ مُوْسِعٌ
ومداكِ فيهِ مشيئةُ العلّامِ
ما أنتِ لولا أن أقولَكِ حجَّةً
إلا كمن تجزيهِ دون خصامِ
وأنا ابنُ ظلِّكِ في النفوسِ فأيُّنا
درعٌ لصاحبِهِ من الإيلامِ؟
أغريتِني وأنا ابن فطرتِكِ التي
جُبلتْ عليكِ بمضغةِ الأرحامِ
فَعلامَ كنتِ بها الضليلَ لسائرٍ
وكتبتِ فيهِ ضلالةَ الأقدامِ؟
وقرينُكِ السوءاتُ يثقلُ حملُها
وأنا الرهينُ بها على أكوامي
وَكَأنَّني فيها طويتُكِ مرَّةً
ونشرتُ رايتَها على الأعلامِ
وَبِأيِّ وجهٍ أنكرتكِ معارفي
يا أيُّها الجهل العظيم الدامي؟
يا أيُّها البأساءُ بين ثيابِهِ
وَتُجرِّدينَ، فكيفَ عنكِ أُحامي؟
إنِّي حملتُكِ ضِلَّةً وضلالةً
ورَأيتُ أنَّكِ في الخُطى قُدّامي
وَأراكِ تستبقينَ ذنبي راكباً
وكأنَّني ارخيتُ فيكِ لِجامي
حتى الضميرُ إذا تعثَّرَ كُنتِهِ
فيهِ عصا موسى على الإقدامِ
فَبِأيِّ وجهٍ تسفرين قيامةً
وأنا بلا جذعٍ وأنتِ قيامي !!
□ □ □
يا أنتِ من لا أنتِ حسبك أنَّني
قد لُمتُ فيكِ فما أطيلُ ملامي
وَشَرقْتُ فيكِ من الظماء سقايةً
لكنْ أطلتِ لدى الحيادِ سلامي
وَلَزمتني حدَّ انطباق أظلَّتي
ورأيتُ فيكِ ضلالةَ الإلزامِ
إنِّي عهدتُكِ في اليقينِ معارفاً
والظنُّ بعضُ تولُّهٍ وغرامِ
فَعلامَ تستبقين خطوَكِ إنَّني
بكِ متعبٌ، والظلُّ بعضُ رُغامي
□ □ □
الآن تنتصفُ الظلالُ وبيننا
هذي الليالي ضِلَّةُ النُوّامِ
مابيننا هذا الضميرُ نبيُّهُ
وكتابُهُ وأصابعي بمقامي
الآن ينطقُني النبيُّ، خطيئتي
إني رضيتُ هوانها بمرامي
الآن فلْتَهِني فإنَّكِ مُثْقِلٌ
طلقتْ فجاءتْ قومَها بتوأمِ
لم ينطقا بالحقِّ حين تكلَّما
بل أفردتني النفسُ دون كلامِ
هِيَ من تَلُذُّ وتدَّريني دونَها
وليَ المَرارُ بوجهِها البسّامِ
الآن يلبسُ فيكِ لامةَ حربِهِ
وعليكِ لا بِكِ حرمةُ الإسلامِ
هذي الحروفُ سهامُهُ، فلأنَّها
مما براهُ عليكِ في الأكمامِ
لم استَخِرْ بِكِ، إنَّني لا أرتضي
معنى وأنت ضلالتي ولزامي
عَجَباً حملتُكِ بين ضلعي جمرةً
ورأيتُ أنَّك مضغتي وطعامي
لكنَّني المأكولُ بين موائدي
عَجَباً إذا استمرأتِ فيهِ حطامي
ما أِنْ بخلتُ عليكِ فيكِ بنعمةٍ
وأراكِ تقتسمينَ بالأزلامِ!
أَعَدُوُّهُ والوجهُ وجهُ خليلِهِ
والقاتلُ المقتولُ وهو الحامي؟
أَنْ لو عَدَدْتُكِ في الخسارِ ببيعِهِ
لربحتُ فيكِ تعملُقَ الأقزامِ
وأنا سواكِ فما وُجدتُ لأتَّقي
إلّا يطاوِلُ ظهرَها بِسَنامِ
وَأَقولُ يانفسي ورجعُكِ مُبْهَمٌ
وصداي أنِّي مالكٌ لزمامي
لَاُروِّضَنَّكِ قسمةً ضيزى بها
وَلَأرْغِمَنَّكِ في طفوفِ فطامي
وَاُجَرِّدَنَّ سيوفَ فقرِكِ في الغنى
وَلَأُعْلِيَنَّ بوطء هامِكِ هامي
سَأُذِلُّ فيكِ الكبرياءَ لأنَّني
أيقنتُ أنَّكِ في الإيابِ حطامي
سَأُجِيْعُ بطنَكِ في الصيامِ وإنَّني
الصوّامٌ بين صلاتِهِ وصيامِ
سَأُذِيقُكِ البلوى هناك معادناً
ولأنتِ معدنُ كِبْرِهِ المترامي
سَأَقُولُ فيكِ عَدُوَّهُ، ولأنتِ بي
معنى العداوة فيهِ والإضرامِ
سَاَقولُ ما لاتدركينَ معانياً
ولأنتِ معنى النطق في الإبهامِ
وَلَأنْتِ فيها ما طربتِ وإنَّني
فيما اكتسبتُ حُمالةَ الأنغامِ
□ □ □
الآن قُرِّي ياوديعةَ سرِّهِ
وضجيعتي في يقظتي ومنامي
إني أبايعُ في الضلالِ خليفةً
كانت به الشورى من الآثامِ
وتوارثتْ بدمي السبيلَ وإنَّها
تَيهٌ أضعتُ به الغداةَ إمامي
تَتَقَوَّلين غرائباً وعجائباً
وأكادُ...لكنِّي بها المُتَعامي
لاتكذبي بالدمعِ، دمعُكِ لم يكنْ
إلا ضراعةَ جاهلٍ تمتامِ
حتى سجودُكِ في الليالي ظِنَّةٌ
لِيُقالُ عنكِ كريمةُ الأقوامِ
تَتَوزَّعين بي الذنوبَ وحسبها
إني أصاحبُ ظلَّها بِضُرامِ
كلُّ العظائم منكِ حين بلوتُها
وأراكِ تَتَّشحينَ بالإعظامِ
ولأنتِ أهونُ إذْ يُقاسُ بما أرى
معنى القعودِ بها عن القوّامِ
اللهُ مابيني وبينك حاكمٌ
فَعَلامَ تستفتينَ بالأحكامِ؟
إني اعتزلتُكِ في اليقينِ هدايةً
حدَّ العقوقِ أراهُ فيك مقامي