تعيين السفراء بين منطق الدولة ومنطق المحاصصة: مراجعة قانونية ومؤسساتية
ضياء واجد المهندس
في ضوء الإعلان عن قائمة السفراء الجدد، ومع تصاعد موجة الاستفهام والاستياء العام بشأن طبيعة الاختيارات والمعايير المعتمدة، تبرز الحاجة المُلحة إلى مراجعة شاملة لمجمل آليات تعيين ممثلي العراق في الخارج، وذلك انسجامًا مع أحكام الدستور العراقي وقانون الخدمة الخارجية رقم (45) لسنة 2008، وتعليمات وزارة الخارجية، وبما يعكس روح الدولة لا نزعات النفوذ والمحاصصة.
???? أولاً: السياق القانوني والمؤسساتي لتعيين السفراء
ينظّم قانون الخدمة الخارجية شروط وضوابط تعيين السفراء بوضوح، ونشير إلى أبرز مواده ذات الصلة:
✔ المادة (8) من قانون الخدمة الخارجية:
"يشترط فيمن يعين في السلك الدبلوماسي أن يكون:
1. عراقي الجنسية ومن أبوين عراقيين.
2. حسن السيرة والسلوك.
3. حاصلًا على شهادة جامعية أولية على الأقل.
4. متقنًا لإحدى اللغات الأجنبية.
5. قد أتمّ دورة معهد الخدمة الخارجية."
✔ المادة (27):
> "تكون التعيينات في المناصب العليا في السلك الدبلوماسي، ومنها منصب السفير، وفقًا لمبدأ الجدارة والكفاءة، وبعد توفر الشروط المطلوبة، وبتوصية من وزارة الخارجية ومصادقة مجلس الوزراء."
✔ تعليمات وزارة الخارجية:
تنص على أن الأولوية في الترشيح لمن أكملوا التدرج الوظيفي في السلك، ومروا بمراحل من العمل الدبلوماسي في البعثات والقنصليات، وأن يتم تقييم أدائهم ضمن معايير مهنية وفنية.
???? ثانيًا: الملاحظات المهنية حول القائمة الأخيرة
1. غياب التدرج المهني:
لوحظ إقصاء عدد كبير من الكفاءات الدبلوماسية التي أمضت سنوات في خدمة الوزارة، لصالح شخصيات لم يسبق لها العمل في الخارجية، ما يفتح الباب أمام انهيار مبدأ التراكم المهني، وضياع الذاكرة المؤسساتية.
2. تجاوز معهد الخدمة الخارجية:
عدم الاكتراث بمخرجات المعهد يمثل ضربًا لمؤسسية الوزارة وتهميشًا لجهود الكوادر المؤهلة أكاديميًا ومهنيًا. وهذا يُفقد العراق ميزة بناء جهاز دبلوماسي متماسك ومتمرّس.
3. الخروقات في مسألة الجنسية المزدوجة:
تنص المادة (9) من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 بوضوح على منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من تولي المناصب العليا، بما فيها منصب السفير. مع ذلك، تُشير معلومات غير رسمية إلى أن نحو %38 من السفراء الحاليين والجدد يحملون جنسيات مزدوجة، ما يُضعف الالتزام بالسيادة الوطنية ويطرح تساؤلات عن الولاء الدستوري.
4. خلل فاضح في الأعمار والمؤهلات:
أحد السفراء الجدد لم يتجاوز 35 عامًا، بينما تجاوز آخر 74 عامًا، ما يناقض السياقات الطبيعية للتدرج والخبرة، ويضع علامات استفهام على منطق الاختيار.
5. سفراء من خلفيات غير دبلوماسية:
تفيد تسريبات بأن من بين المعينين:
صاحب محل "طرشي".....
فني تبريد وتكييف.....
شخص أمي لغويًا لا يجيد لغة الدولة المضيفة.....
شخص مرتبط بملفات فساد وابتزاز في رئاسة الوزراء، ظهر له تسجيل صوتي يطلب فيه 10 مليون دولار مقابل توقيع على مشروع استثماري!
???? ثالثًا: أبعاد الفساد في السلك الخارجي
وفقًا لتقارير رقابية صدرت بين عامي 2019–2023:
%46 من السفارات والقنصليات العراقية سُجّلت فيها مخالفات مالية أو إدارية.
أكثر من 200 مليون دولار فُقدت في السنوات الخمس الأخيرة بسبب "سوء إدارة الأموال في السفارات".
تقارير هيئة النزاهة أفادت بأن بعض السفراء حوّلوا السفارات إلى شبكات تجارية أو عائلية.
???? رابعًا: دعوة إلى مراجعة وطنية شاملة
إن مستقبل العراق الدبلوماسي لا يمكن أن يُبنى على أسس الترضيات السياسية أو التمثيل العائلي أو الصفقات الحزبية. فالسفير ليس مجرّد حامل لقب، بل هو واجهة الدولة وأداتها في إدارة العلاقات الدولية.
نُطالب بـ:
تشكيل لجنة وطنية مهنية لمراجعة آلية التعيينات.....
تفعيل رقابة البرلمان على قوائم الترشيح قبل المصادقة....
ربط الترقيات والتعيينات بنتائج تقييم الأداء المهني....
???? ختامًا
إن تقديم هذه الملاحظات يأتي من حرص وطني صادق على صورة العراق ومصالحه العليا. فحين يُختار السفير بعقل الدولة لا عقل الحزب، يتحول المنصب إلى أداة خدمة وسيادة. أما حين يُختار بمنطق المكافآت أو الولاءات، يصبح عبئًا على سمعة الوطن، وأداة لتمرير الفساد لا محاربته.
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل