فجرُ بغداد
شوقي كريم حسن
فجرُكِ يا بغدادُ، يُطلُّ
كأنّهُ طفلٌ غسلَ وجههُ بندى الدجلة
وخرجَ من حضنِ النخلةِ الأولى
ينفضُ عن قلبهِ سُهادَ الليلِ
ويوقظُ في الشوارعِ أنفاسَ المدى
فيكَ — يا فجرَ العاشقين —
تنحني الشمسُ على جسرِ الأحرارِ
تُقبّلُ الماءَ
وتلثمُ وجهَ الصباحِ المنثورِ
من أكفِّ النساءِ العاملاتِ
اللواتي يزرعنَ الوردَ في الطرقات
ويُطفئنَ الجوعَ بنبضِ الخبزِ،
ويخطنَ للغدِ قمصانَ الأمل
يا لحُسْنِكِ، بغداد،
حين تُفاجئينَ العيونَ
بأنَّ الجمالَ ما يزالُ حيًّا
بين أنقاضِ الوقتِ،
تُزينينَ الأرصفةَ
بضحكةِ بائعةِ الخضار،
وبرائحةِ خبزِ التنورِ
تُعانقُ المدى
فجرُكِ، بغداد،
هو وعدُ الحنينِ لمن ناموا
يحلمونَ بوجهكِ دونَ شوائبِ الحرب،
هو دمعةُ مغتربٍ
رآكِ في حلمٍ
تسقينَ النخلَ
وتفتحينَ نوافذَ الطمأنينة
يا بغداد،
في أولِ لحظةٍ من يقظتكِ
كلُّ شيءٍ يبدو أبهى:
صوتُ الأذانِ يُداعبُ السماء
رائحةُ الياسمينِ تصعدُ
من أكمامِ امرأةٍ تمضي للعمل
وقلبُ المدينةِ
يرقصُ — بصمتٍ —
على وقعِ أحذيةِ العاشقات
تحيةٌ لبهائكِ
يا أميرةَ الفجرِ
وملهمةَ القصائد،
يا سيدةَ المدنِ
وأُمَّ كلِّ النساءِ
اللواتي لا ينحنينَ
إلا ليزرعنَ الحياة.
فجرُكِ يا بغدادُ،
وصيّةُ عطرٍ من غابرِ الوقت،
تُقرأُ على جبينِ الغدِ
وتُكتَبُ بالحُبِّ
في دفاترِ مَن لم يُغادروكِ
فيكِ،
تمشي القصائدُ حافيةً
بين العيونِ التي لا تزالُ تؤمنُ
أنّ ضوءكِ
قادرٌ أن يشقَّ ظلمةَ العالم
يا مدينةً
كلّما استيقظتِ،
استيقظَ فينا الشوقُ للحياة،
وللنساءِ اللواتي يُجدنَ
فنَّ تحويلِ التعبِ إلى ضياء،
والماءِ المُتعبِ إلى نهرٍ لا يموت
فسلامٌ عليكِ،
يا فجرًا يُربّي النهارَ في حضنِ الدجلة،
يا نبضًا يُعلّمُ العاشقينَ
أنّ الحبَّ… يبدأ حين تبتسمين.!!