لا تطلبوا أصوات الناس
سيف الحمداني
في كل موسم انتخابي، تظهر الوجوه ذاتها بثياب مختلفة: مناصب تنفيذية تحولت فجأة إلى منابر للمواعظ، وشخصيات كانت تمسك بسلطة القرار، تعود اليوم تطلب من الناس «ثقة جديدة.» لكن الشعب العراقي، الذي اختبر خيبات كثيرة، لم يعد يُقاس بذاكرته القصيرة، بل بخسائره الطويلة. الوزير الذي تولى حقيبة سيادية أو خدمية، وخرج منها كما دخل، دون أثر واضح، لا يملك أي مبرر أخلاقي أو سياسي ليعود مرشحاً بإسم ذات الحزب أو التكتل. فالانتخابات لم تُخلق لتدوير الفشل، ولا ينبغي أن تستعمل كغسيل للأداء الرديء. العمل التنفيذي ليس إعلان نوايا، بل امتحان واقعي في مواجهة البيروقراطية، الفساد ، ضغوط الأحزاب، وكثير من الإغراءات الخطرة. وحين يفشل الوزير بهذا الامتحان، لا يحق له أن يعود بين الناس كأنه «المنقذ». لأنه ببساطة، حين امتلك القرار، لم يفعل شيئاً به. في العراق، تعاني العملية السياسية من تشوه خطير يتمثل في فصل السلوك السياسي عن الأداء التنفيذي. فالشخص الذي يُعيَّن وزيراً باسم حزب معين، لا يُحاسب على فشله كوزير، بل يُعاد ترشيحه لأنه «وفي للكتلة». وهذا ما جعل الوزارات مزارع حزبية، وليست مؤسسات وطنية.
نحن اليوم نواجه استحقاقا انتخابيًا جديدًا، ومن الضروري أن نبدأ من سؤال واحد:
هل يجب أن نُعيد انتخاب مَن فشل في مسؤوليته الوزارية؟
والإجابة يجب أن تأتي من الناس، لكن على أساس الوعي لا العاطفة، وعلى أساس الأثر لا الانتماء. ليس المطلوب من الوزير أن يكون معصوماً، لكن المطلوب أن يكون صاحب قرار لا ظلا لغيره. أن يقول «لا» حين تكون كلمة «نعم» خيانة.
أن يُنفق المال العام كما لو أنه دينٌ ثقيل في عنقه، لا فرصة للنهب المنظم.
أن يبني، أو يُمهد للبناء، أو يفتح باباً مغلقاً لا أن يقضي وقته في ترتيب الصور والاستقبالات. أما أولئك الذين أمضوا أشهراً وسنوات في مناصبهم، ثم خرجوا منها دون أثر سوى تصريحات عائمة، فيجب أن يُسألوا مباشرة:
لماذا لم تستقل حين عجزت عن التغيير؟ ولماذا تطلب اليوم من الناخبين أن يمنحوك ما لم تمنحه أنت للوطن؟ الوعي الانتخابي الحقيقي لا يبدأ من شعارات الحملات، بل من مراجعة سجل المسؤولين السابقين. هذا الوزير، ماذا فعل حين كانت الأختام بيده؟
هل انحاز للناس أم انحاز لحزبه؟ هل واجه الفساد أم تصالح معه؟
هل أعاد هيبة الدولة أم باعها في صفقات المحاصصة؟
الشعب العراقي لا يحتاج وزراء ،شعبويين ولا مرشحين بذاكرة قصيرة.
هو بحاجة إلى رجال دولة، لا رجال انتخابات. والفارق بينهما واضح:
رجل الدولة يحترق في الظل لينجز،
أما رجل الانتخابات، فيلمع في الضوء ليهرب من الأسئلة.
لذلك، فإن كل من شغل منصباً وزاريا، سيكون في الانتخابات القادمة تحت المجهر ، سواء ترشح بنفسه أو دفع حزبه بمرشحين جدد. لأن الفشل في الإدارة لا تمسحه اليافطات، ولا تخفيه الحملات الإعلامية.
إلى كل من تولى منصباً تنفيذياً وفشل فيه:
لا تطلبوا أصوات الناس إن خنتم مسؤوليات الدولة.
فصوت الناخب ليس مكافأة على الولاء، بل محاسبة على الأداء.
ومن لم يُثبت أنه مع الوطن حين كانت له السلطة، فلا يحق له أن يطلب الثقة حين يحتاج الصوت.