الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة نقدية فلسفية حديثة في نص ( النافذة الوحيدة ) الشاعرة   جنان الصائغ


عشقُ الآلهة البابلية

قراءة نقدية فلسفية حديثة في نص ( النافذة الوحيدة ) الشاعرة   جنان الصائغ

عبدالكريم الحلو

 

مقدمة:

* في مملكة الحرف التي شادتها جنان الصائغ،

* تتجلّى امرأة تُشبه إلهة بابلية:

* لا تُؤسر،

* لا تُروَّض،

* ولا تُختصر في أي سردية جاهزة.

* نصها “ الرومانسي الحالم ” ليس مجرد اعترافٍ عاطفي،

* بل وثيقة فلسفية تحملُ تأملاتٍ في معنى الحبّ،

* وفلسفة الآخر،

* وجدلية الذات، في ضوء وجودٍ ملبّدٍ بوحدةٍ وجودية كأنها قدر الإنسان العارف.

أولًا: تمهيد فلسفي: المرأة

         السؤال الذي لا يهدأ

* منذ “إنانا” البابلية وحتى “ديوتِما” السقراطية، وُجدت المرأة بوصفها ذلك الكائن الذي لا يُحدّ،

* والذي يستفزّ الفلاسفة والمحبين

* لا ليُفسَّر، بل ليبقى سؤالاً دائمًا.

* هذا النص لا يضع المرأة كموضوعٍ للحبّ، بل كمصدره، كنبعٍ غريبٍ لا يُرتشف منه مرتين بالكيفية ذاتها.

* في كل مرة تكون ماءً جديدًا، وجرحًا جديدًا.

“أراد أن يحتويني،

لكنه لم ينتبه

أنني لم أُخلق لأُحتوى”

        - هذا التصريح الفلسفي يلغي مركزية الرجل في فعل الحبّ، وينقل محور التكوين إلى المرأة بوصفها الفاعل الحقيقي، لا المتلقّي.

ثانيًا: المرأة – الغيمة الكونية:

           ميتافيزيقا الإنفلات

في عبارة:

“أنا غيمةٌ تمطر

حين لا يتوقّعها أحد،

وتغيب حين

يُنادونها بأسمائهم”

* نلحظ تماهٍ بين الأنوثة والكون 

* لا كتجلي ناعم، بل كقوة غير متوقعة،

* لا تستجيب للنداء، بل تفاجئ الوجود وتؤثّر فيه حين تختار.

* إنها ليست كائنًا للسيطرة،

* بل غموضًا مقيمًا لا يُملَك.

* هذه نزعة “مَطَريّة” تحوّل المرأة إلى حركة دائمة،

* وتنسف ثنائية (الاحتواء / الانتماء).

* المرأة هنا، ليست وطنًا للرجل، بل هي الوطن المفقود الذي لا تُرسم خرائطه.

ثالثًا: الآخر ككائن مكسور

           الحب كملاذ هشّ

* تصف الشاعرة جنان الحبيب بأنه لم يبحث عن قصة،

* بل عن “طوق نجاة”،

* وتصف وحدته كـ”شيطانٍ” يستوطنه:

“استوطنه شيطان الوحدة،

لا ذنب له،

بل ضلّ في مدينة

لا تعرف الصخب.”

* هذه العبارة تحمل دلالات وجودية واضحة.

* الحبيب ليس كاملًا، بل مخلوقٌ قلقٌ، مكسورٌ، تائهٌ في مدينة اغتراب.

* والحب، كما تراه الكاتبة، لا يُكمل الناقص، بل يكشفه.

* ليس خلاصًا دائمًا، بل مرآة:

“مرآةً مشروخة

تعكس أجمل ما فينا

ثم تجرحنا بشظاياها”

* إنه تجلٍّ لفكرة “الآخر الجحيم” عند سارتر، ولكن بصيغة أكثر حنانًا، حيث الجحيم ليس عقوبة بل نتيجة لعجز الإنسان عن احتواء المعنى في الآخر.

رابعًا: سيميائية الخلاص والنافذة الوحيدة

* العنوان الفرعي “النافذة الوحيدة” ينهض بوظيفة رمزية وسيميائية عميقة. النافذة ليست مجرد منفذٍ للضوء،

* بل طريقٌ للآخر كي يتنفس.

* بينما تُغلق الأبواب (رمز الانغلاق المجتمعي، الذكوري، القيمي)، تبقى النافذة (رمز الذات الشاعرة) هي الوحيدة المفتوحة.

* الشاعرة هنا نافذة لا باب.

* لا تسهُل عبورها، ولا تُفتح للأبد.

خامسًا: جنان الصائغ

                شاعرة الفقد الواعي

                 والأنوثة الفلسفية

* في نصها، تُقدّم جنان نموذجًا نادرًا للمرأة الواعية بفرادتها، والمحبوبة بشروطها.

* لا تنسج خيوط الحب لتُغلف بها الحبيب، بل لتصوغ بها قميص وحدتها الفاخر.

* هي تُحب، نعم، لكن لتُبقي الحبيب طافيًا، لا غارقًا في خرافة الامتلاك.

* هي تُحب كمن يُنقذ الآخر، لا كمن يُسلمه لنار العشق المستهلك.

خاتمة التقييم:

* هذا النص فريد في معالجاته الفلسفية لموضوعة الحب، لا باعتباره خلاصًا، بل كاشفًا للعمق النفسي والفلسفي للذات والآخر.

• الشاعرة جنان الصائغ تُرسّخ صوتًا نسويًا رفيعًا لا يحتجّ بحدّة، بل يُقنع برصانة، ويؤسس لأنوثة وجودية تتحدى أن تُختصر في قصيدة حب.

• نصها يليق بأن يُدرّس في أقسام الأدب المعاصر والنقد الفلسفي

بوصفه تمثيلًا عالي المستوى لجدلية الذات / الآخر، والحب / الوحدة، والانتماء / الانفلات.

التقييم العام  :

لنص “نافذتي الوحيدة ”

وتقييم الشاعرة من منظور نقدي شامل:

أولًا: تقييم النص:

         عمقٌ فلسفي وصياغة رمزية

1. البنية الفكرية والفلسفية:

نص “صباحي أنتم” يتجاوز عتبة البوح العاطفي السطحي إلى فضاء تأملي يحمل رؤىً وجودية. النص يتعامل مع الحب كمسألة مصيرية، لا كلعبة رومانسية. ويقدّم الذات الأنثوية كقيمة وجودية عليا، لا تابعة ولا مستهلَكة.

2. اللغة والأسلوب:

اللغة مشحونة بالإيحاءات، تتسم بالشفافية العالية مع عمق تأملي. الجُمل كثيفة المعنى، قصيرة النسق لكنها طويلة الأثر. تستخدم الشاعرة الاستعارة بوظيفة تفكيكية، لا تجميلية فقط.

التقييم:

3. الرمزية والسيمياء:

* من خلال “النافذة”، “الغيمة”، “المرآة المشروخة”، “الضفاف”، تتجلّى بنية رمزية متماسكة تشكّل عصب النص. الرموز ليست زينة بل أدوات بنائية تمضي بالتأمل إلى مداه.

4. الإيقاع الداخلي:

* رغم أن النص نثري، إلا أن له موسيقى داخلية ناتجة عن توازن الصور، وعمق التواتر الشعوري بين الجمل.

5. التماسك النصي والبنائية:

* هناك وحدة موضوعية ووجدانية متماسكة، لا يخرج النص عن منطق تأمله ولا يترك فراغات بنائية.

ثانيًا: تقييم الشاعرة : جنان الصائغ

1. الوعي الكتابي:

* جنان الصائغ شاعرة تنتمي إلى جيل نسوي واعٍ، لا يستجدي العاطفة ولا يتاجر بالأنوثة، بل يجعل منها بوصلةً فلسفية وأدبية.

* كتابتها تمثل جيلًا يُراجع معاني الحب، الذات، الغياب، والانتماء بجرأة فكرية وهدوء ناضج.

2. فرادة الصوت:

* لها صوت خاص، يحمل طابعًا ميتافيزيقيًا لا يكرّر أحدًا. نصوصها تحمل توقيعها الروحي واللغوي.

3. الحضور السيميائي والفكري:

* تُجيد استخدام الرموز دون أن تغرق في الغموض، وتنتقل بسلاسة بين الحسي والعقلي دون فقدان التوازن.

4. الإمكانات المستقبلية:

* جنان الصائغ، إذا استمرت بهذا الوعي والعمق، مرشّحة لأن تكون إحدى الكاتبات العربيات البارزات في فلسفة الحب والوجود من منظور نسوي متقدّم.

الخلاصة:

• النص: تجربة ناضجة، عميقة، متحررة من التقليد، تنتمي إلى الأدب النسوي الفلسفي الراقي.

• الشاعرة: تملك بصمة حقيقية، ووعيًا فريدًا، وقدرة على تحويل تجربتها إلى قيمة إنسانية عامة.

الناقد  د.عبدالكريم الحلو


مشاهدات 82
الكاتب عبدالكريم الحلو
أضيف 2025/05/11 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/05/12 - 10:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1235 الشهر 15189 الكلي 11009193
الوقت الآن
الإثنين 2025/5/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير