مطالب معلّقَة وصوتٌ مستَخفٌّ به
مروان صباح الدانوك
في بلدٍ يعلّق صور المعلمين في المناسبات، ويُكثر من المديح اللفظي لدورهم في بناء الأجيال، يقف هؤلاء المعلمون في طوابير الانتظار، حاملين مطالب مشروعة طال تأجيلها، ومواجهين واقعًا قاسيًا يتجرد من أبسط مقومات العدالة. تمر الأيام، وتنعقد الجلسات، وتُقطع الوعود، ويبقى صوت المعلم مجرد صدى في أروقة لا تُنصفه.
شهد العراق في الأيام الماضية حراكاً لافتاً للمعلمين في عدد من المحافظات، احتجاجاً على التهميش المستمر وتجاهل مطالبهم التي تلامس جوهر العملية التربوية. لقد خرجوا حاملين لوحات الكرامة، لا لأجل امتيازات خاصة، بل طلبًا لما هو مستحق وضروري لإنقاذ التعليم من الانهيار.
ومن أبرز المطالب التي رفعها المعلمون:
1. إعادة النظر في سلم الرواتب: فالمعلم لا يمكن أن يؤدي دوره التربوي والتعليمي وهو تحت ضغط الأعباء المعيشية، في ظل تضخم مستمر وارتفاع الأسعار.
2. تثبيت العقود والمحاضرين المجانيين: شريحة واسعة من التربويين عملت لسنوات دون مقابل ثابت، ولم تحظَ بأي ضمان وظيفي أو اجتماعي. هذا الظلم الإداري والمالي يجب أن يُرفع فوراً.
3. توفير بيئة مدرسية لائقة: الكثير من المدارس تعاني من تردي البنية التحتية، وعدم توفر المستلزمات الضرورية، ما ينعكس سلبًا على الطالب والمعلم معاً.
4. حماية قانونية واجتماعية للمعلم: حالات الاعتداء على الكوادر التربوية في تزايد، وسط غياب قوانين حازمة تحمي هيبة المعلم وتحفظ مكانته.
ورغم وضوح المطالب، فإن رد الفعل الحكومي كان مخيّباً للآمال، إذ قُدمت وعود ثانوية لا تمس جوهر المشكلة: أراضٍ توزع بشكل غير عملي، ومنح لا تسد الرمق، وتصريحات فضفاضة عن نية تحسين الواقع التربوي، كل ذلك دون أي خطوات فعلية باتجاه التشريع أو التنفيذ.
وفي جلسة البرلمان التي عُقدت يوم الخميس 10 نيسان 2025، والتي انتظرها المعلمون بشغفٍ وأمل، تكرّر المشهد ذاته: غياب النصاب القانوني وتأجيل الجلسة، وكأن حقوق المعلمين ليست من أولويات مجلس يُفترض به أن يكون صوت الشعب. والمؤلم أكثر أن هذه المطالب تُدار في دهاليز المماطلة لتُستخدم لاحقًا كورقة دعائية في انتخابات 11/11 المرتقبة، دون أي اعتبار للمعاناة اليومية التي يعيشها كل معلم على أرض الواقع.
إننا نرفض أن نُختزل إلى أرقام انتخابية أو شعارات مرحلية. نحن المعلمون الذين وقفنا رغم قساوة الظروف، وعملنا رغم قلة الإمكانيات، وناضلنا من أجل بقاء التعليم حيّاً في بلد تتقاذفه الأزمات. لسنا دعاة فوضى، بل بناة أمل. ومطالبنا ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية. وإن لم يُنصَف المعلم، فمَن سيبني الوطن؟
إن سكوتنا ليس ضعفًا، بل صبرٌ بدأ ينفد. وصوتنا ليس تهديداً، بل نداءٌ من أجل الإصلاح. فلتسمعونا قبل أن يصبح الصمت هو اللغة الوحيدة في مدارس العراق.