محللون ولكن
طارق الكناني
منذ اكثر من سنتين تم غلق صحيفتنا الالكترونية بفعل حكومي وقد آليت على نفسي ألا أكتب في الشأن السياسي وها أنا مازلت عند موقفي ،ذلك لأن الكتابة في هذا الشأن دون جدوى ولا يمكنها التأثير في الشارع العراقي ،فالمواطن قد عَرِفَ المخفي من امورها ومع ذلك اختار أن يأخذ جانب الصمت أو التماهي مع الحالة السياسية أما لأغراض شخصية أو اصطفافا عقائديا أو طائفيا وهذا ما لا يمكن التأثير به وتبقى الأغلبية الصامتة هي من يسعى الكل لاجتذابها .
قد يقول البعض اذن ما حدا مما بدا حتى تعود للكتابة ،وهذا سؤال لدي الاجابة عنه وببساطة لقد قرأت وسمعت عدة مقالات وحوارات متلفزة مع بعض الذين يطلق عليهم محللين سياسيين واعتقد أن تصنيفهم تحت باب السياسة قد ظلمهم وكذلك ألحَقَ ظلما فادحا بالعلوم السياسية وابرزَ تراجعا مخيفا في الفكر السياسي العراقي المعروف بتفوقه حيث قاد الحراك السياسي العربي لعقود طويلة بينما نجده الآن يتهافت ويتقزم لدرجة أن هؤلاء الساسة أو المحللين أظهروا من التفاهة والانحطاط الفكري ما لم يتصوره العقل .
بين فترة وأخرى يخرج علينا أحدهم بمقال أو حوار يؤكد وبكل ثقة أن دولة كالعراق ستختفي وتتلاشى بفعل العوامل الجيوسياسية بالمنطقة مصورا أن العراق الدولة الأقدم دون منازع على الكرة الأرضية ستختفي لأن ايران ستتصارع مع كيان هزيل أو دويلة مصطنعة ، أو انه سيتلاشى بفعل تأثير سياسي واقتصادي أمريكي وبمجرد أن تقوم امريكا بمصادرة الأموال العراقية الموجودة في خزائنها سيقضي نحب العراقيين جوعا وننتهي كأمة ويتناسى هذا المغفل بأننا بلد لديه من الموارد ما لا ينفذ حتى قيام الساعة وهكذا اقرأ كل يوم من هذه التحليلات ،ولا اكتمكم أن الغيظ يتملكني عند سماعي أو قراءتي لمثل هذه التفاهات فأما أن يكون كاتبها مدفوعا أو مغفلا لا يفقه في السياسة والجغرافية والتاريخ والاقتصاد شيئا أو وقع تحت طائلة الخوف من المجهول فرشحت هذه الأفكار من خلال تصاعد الأدرينالين لديه ,فالمحللين لدينا على ثلاثة انواع وقد صنفتهم في مقال قديم قبل سنوات ، منهم المحلل السياسي ،ومنهم المحلل الذي يعمل في المستشفيات وهؤلاء لعمري أنهم يزاولون اعمالا مشروعة ويكفلها القانون والشرع واما الصنف الثالث فهو محلل من نوع خاص يستخدم عندما تقع مشاكل عائلية ويحدث الطلاق لثلاث مرات فهذا المحلل يعتاش على هكذا امور ،هذا الصنف الثالث يذكرني بهؤلاء المحللين ويبدو أن هذا الصنف قد انتعش بشكل كبير في غياب المفكرين والمحللين الذي تم ابعادهم قسرا عن الواجهة الاعلامية ليتسنى لدولة الفرهود أن تستثمر هؤلاء في اشغال الرأي العالم بتفاهات لا قيمة لها كي يخلو لها الجو بالاستمرار في فرهودها غير المعقول ،فترى كل يوم يخرج علينا احد هؤلاء (المجحشين ) – بالمناسبة هذه التسمية باللغة العامية – ليملأ الجو رعبا من القادم المظلم وأن لا سبيل للنجاة إلا في الالتحاق بأحد المعسكرين فأحدهم يريد قطع واردات النفط عن قسم من الشعب وآخر يهدد بقطع الماء عن القسم الآخر وهكذا تصريحات نارية عندما تخرج من مسؤول حكومي أو سياسي بمنزلة مؤثرة ورفيعة بالتأكيد ستجد اذنا صاغية من قبل هؤلاء المحللين وبالتالي ستكون موضوعا حواريا يعج بمصطلحات التفاهة واللغو الفارغ ويصورون هذه الأمور كأنها حقيقة واقعة لا مفر منها وبالتالي يجد المواطن العادي نفسه مضطرا للاصطفاف الطائفي أو العرقي .
أن مثل هذه البرامج الذي تجلدنا بها يوميا فضائياتنا العتيدة حتما ستتوقف في يوم ما وستحاكم شعبيا عن كل ما قيل فيها، وسيقف هؤلاء المحللون أمام ارادة شعبية حازمة باجتثاث هذا الفكر الطائفي والمناطقي والقومي ،فتشرين كانت درسا كبيرا لمن يريد أن يتعظ ولكن لا حياة لمن تنادي. يصف أحد اصحاب المنبر هؤلاء المحللين بأنهم ((مثل جراوة الكلبة ابيضهم نجس)) ولا اعرف ماذا قصد بكلمة ابيضهم هل هي كنية للجمال أم المقصود بها شخص بعينه .