الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هــذه أرضـي .. هنــا وطـني.. هذا إيماني .. هنا شهادتي (1)

بواسطة azzaman

هــذه أرضـي .. هنــا وطـني.. هذا إيماني .. هنا شهادتي (1)

بيوس قاشا

 

في البدء ... حقيقة المقال

قبل أنْ أبدأ بتسطير هذا المقال إنتابني قلقٌ، وملأ الخوف زوايا مسيرتي، وتردّدتُ مرة ومرات إذ مَلَكَتْ على أفكاري صورٌ أتعبتني، وأُوحي إليَّ أن هناك انتقادات حادة تنتظرني وستلاحقني حيث أكون بسبب ما يحمله المقال ومضمونه، لأنني أنادي بعدم الهجرة، وكفى الرحيل إلى المعلوم أو المجهول، فأكون بذلك ضد خط مسار المخطَّط الخفي والذي يرسمه لنا الغرباء، وأيضاً أبناء الديرة والجيرة، عبر أشخاص لهم غايات وأساسات كما هم علامات في مسيرة الزمن من أجل تدمير شعبنا - بدراية وتصميم وإن غير معلَن - بإفراغ الوطن منهم وتهجيرهم إلى حيث كُتِبَ عنهم بعلمه المحدود كما في فكره القصير المدى.

ولكن لنداء إيماني وإحساسي في عيش الحسّ الإيماني والحسّ الوطني سطّرتُ هذا المقال عملاً وطاعةً ووفاءً لرسالتي الكهنوتية، ولِمَا تقوله الكنيسة أمّي والإرشادات الرسولية، وما يوصي به آباء الكنيسة الأجلاء في مؤتمراتهم ولقاءاتهم، وأكثر من ذلك الحسّ الوطني الذي به أكون رايةً وكلمةً في مسيرتي وشاهداً للحقيقة أقول:

هذه أرضي... هنا وطني... هذا إيماني... هنا شهادتي... ولا غير. مهما تكالبت الظروف وصَعُبَت مسارات الحياة، وقُتِلَ الحوار وإنْ كان جنيناً، ومُنِعَت الحقيقة من إعلانها وقولها على مسامع كبار الزمن وصغار الطرق، نفاقاً وغِشّاً وكذباً، والويل لنا ولزمننا ولكبار عالمنا الذين جعلوا من دنيانا حقيقة سماوية في عولمة مزيّفة.

نعم ... صحيح وصحيح

صحيح إننا ندرك جيداً مخاوفنا ومعاناتنا، فبعضٌ منا فقدوا أعزّاءهم وأحبّاءهم وأهاليهم وحتى أموالهم وأملاكهم وهُجّروا من بيوتهم، وبهذا يكون المسيحيون في مقدمة المكوّنات التي تعرضت - ولا زالت تتعرض - للإقصاء سياسياً واجتماعياً وأيضاً ديموغرافياً وحتى وظيفياً، وفي ذلك كله يتناقص عددنا يوماً بعد يوم، إضافة إلى الآلاف من الشهداء السعداء الذين سكبوا دماءهم بسبب حقد الآخر وكراهيته للمسيحي المسالم، وأيضاً ما قاسوه بسبب تدمير أماكن عبادتهم وكنائسهم عبر انفجارات وإحراق وتهديد من قِبَل جماعات متشددة مدّعية إنها تعمل من أجل الله، وإنها نصّبَت نفسها الناطق باسمه تعالى ولها الحق في تفسير الإيمان وإصدار الفتاوى كما يحلو لها وكما تشاء، ولكل حالة ميزان خاص بها، وحكم بمرسوم معلَن على الملأ، وضاعت الحقيقة. إضافة إلى العصابات المسلحة المنفلتة حيث تم استخدام الدين لتبرير الأعمال الإجرامية والتي كلّفتنا أرواحاً وأموالاً وضحايا أبرياء - ولهم الحق هكذا يقولون - لأننا أصبحنا لهم غنائم حسب تبريراتهم واجتهاداتهم المزيفة المختلفة.

وبسبب العنف الذي أخذ محلّه متصدّراً الكلمة الأولى والأخيرة أصبحنا في متاهة المسيرة، وبمرور السنين تعرض أبناؤنا إلى أنواع الاضطهادات، إنها اضطهادات من حكومات أو من دساتير وضعها آخرون من أجل مصالحهم دون النظر إلى حقوقنا كشعب أصيل، فهُمِّشت تعاليمنا، وشُوِّهت رسالتنا، ودُمِّرت حقوقنا وإنْ كنا أصلاء وأصيلين، وما علينا إلا الطاعة ولا يجوز النقاش، فالمرسوم لنا لا يسمح بذلك لأننا أقلية ربما مهمَّشة، أكيداً مهمَّشة، أو لا فائدة منها إلا لإعلانها عبر مايكروفونات الإعلام لإصلاح الصورة والسيرة، وفي ذلك أقول: ظهر لنا فرعون، ولكن أي فرعون! بل فراعنة.

مسيرة حياة ... وسياسات قسرية

ومهما يكن من أمرٍ، ومهما قيل أو يقال، فالمسيحيون يعتزّون بجذورهم وتاريخهم الموغل في القِدَم والعائد إلى الحضارات العريقة، كان الإيمان لهم عقيدة بشهادتهم ومسيرة حياتهم ومنذ ألفي سنة وحتى الآن بِعُسره ويُسره، بمسيرته المؤلمة وبأيام انشراحه، وكانت حياتهم إنحناءً للملك وخضوعاً وخوفاً، فالأنظمة المتعاقبة على مدار الألفيَّتَين، مورس ضد المسيحيين سياسات قسرية وتصغيرية إضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عبر تهجيرهم من قُراهم شمالاً ومن مدنهم في الوسط وامتداداً حتى الجنوب، ولا زال لحدّ الساعة يُنظَر إليهم أحياناً وكأنهم غرباء بل أكثر من ذلك دخلاء، ولا يحق لهم إلاّ النداء عبر الهواء ولا من سامع إلا لغايات.

بين الوطن والرحيل

صحيح وصحيح وصحيح هناك دواعٍ لترك الوطن، والحقيقة ليس من قِبَل المسيحيين فقط إنما من قِبَل أقوام وطوائف وشعوب ومسمّيات بسبب الظروف الأمنية والمعيشية والأصولية وخطورة الوضع ومأسويته، والتوجه إلى الغرب لحفظ النفس من أجل العيش بحرية وأمان بعيداً عن العنف والاضطهاد والتمييز والذي أصبح يُمارَس ضد المسيحيين عبر محاولات إقصائهم من مناطقهم، عبر إغراء الخضراء، وتسهيل مسارات الهجرة بتصوير الآتي بالجنة الموعودة. هكذا أرادها أحبّاء اليوم ومصالح الأمس والمستقبل، وما تلك إلا علامات مثيرة للقلق إلى حدٍ بعيد، وبذلك تواجه كنيستنا خطراً كارثياً بل خطراً إيمانياً ووجودياً.

بين المواطنة والانتماء

في مفهوم المسيحية، الإنسان هو المساحة الأولى لمفهوم المواطَنة والانتماء. وهذا الإبداع المسيحي رسمه ربنا يسوع في ملكوت جديد، ودعانا لنشره بالطاعة لمشيئة الآب على الأرض كما في السماء، ولكن أضعنا البوصلة فأتينا الجحيم بدل السماء، وأصبحنا نتعاطى مع الشياطين أكثر من الله. نبشّر بقوة إبليس أكثر من الله، وأضعنا ربيع المسيحية بسبب ربيع الكون، وأصبحنا نفسّر حلمنا بمفهومنا لا بمفهوم المسيح وندائه، وتحت أنوار الروح، وبدأنا نشعل نورنا في ظلامنا ونسينا هبة الله أننا نور العالم لظلام العالم، ونصّبنا أنفسنا أسيادَ أنفسنا بالمطلق عكس أن نكون أسيادَ أنفسنا بسيادة المسيح ربّنا علينا، ونسلّم حالنا للذي دعانا. فالمسيحيون يوحّدهم حب الوطن وكلمة الحقيقة ومسيرة الايمان، ننادي وننشد وبكل شجاعة أن الوطن يجمعنا وهو الهدف كي ننال حقوقنا.

شهادة الحياة والدم

أقول: على المسيحيين قبل كل شيء أن يكونوا أوفياء للإنجيل، والإنجيل ليس صيغة تحريرية وحسب بل هو أيضاً في بعض الأحيان التخلّي عن بعض الوسائل والنظر إلى الآخر نظرة احترام وكرامة، والتسلّح بالرجاء. فمَن يعيش في اليأس لم يختبر المسيحية. كما إن عيش المسيحية يعني الشمولية، بمعنى أن على المسيحيين عيش كل الصفات التي يتمتعون بها، لا لأنفسهم وحسب بل مشاركتها والعمل بها في المجتمع أيضاً، وإشعاعهم يتخطى أشواط الواقع الرقمي. والكنيسة ما تحتاجه اليوم هو حاجتها إلى شهود وليس مبشرين، فإنّ على الواعظ التعليم ولكن أيضاً شهادة الحياة وشهادة الدم، والبشارة هي العطاء للآخر وبناء الجسور وتكسير الحواجز، وما ذلك إلا تحدٍّ، إنه إنجيل الالف الثالث... (وإلى القسم الثاني)

  مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 


مشاهدات 42
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/04/13 - 4:52 PM
آخر تحديث 2025/04/15 - 5:55 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 898 الشهر 14735 الكلي 10595382
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير