وهذا كتاب آخر بمستطاعك وتحت يمينك أن تقرأه من دون كدٍّ فكري قد يسبب لك نصف صداع وبعض معمعة ولذة في نفس الآن .
كتاب تقرأه وأنت راسخ على كرسي بارد بمحطة قطار مشمورة في الجوار ، فينتج لك تزجية وقت ممكنة وحفلة عاطفية رباعية الأبعاد ، والأبعاد هنا ستكون مثل ماعون فرفوري يتهشم ويوزع شظاياه على أعمدة الكتابة المدافة بالسلاسة واللغة الجرائدية السهلة ، بعيداً عن تقعر المعنى والحرف والشكل المطبوخ بمختبر السرد الأدبي الفني الخالص ، ومن هذه اللقطة سيكون بمقدورك أن تقترح على الكاتب تبديل جنس المكتوب من مفردة رواية – مثلاً – ترفرف بغير محلها فنياً ، إلى وجهة اخرى قد تصيب الهدف كما ولد أول مرة .
هي ليست رواية وليس ما صار يعرف الآن برواية السيرة ، والسيرة هنا ستختلط بالذاتي والخاص جداً فتحوله إلى هتاف عالٍ سيأخذك إلى صخب مظاهرة من يافطات وأكف .
الأنا والذات في هذا العمل الطويل عالية ومتضخمة ومحتكرة على شخصية الكاتب الحقيقية ، والحدث المعاش إلى حدود بعيدة لم تشفع له بعض الأقنعة القليلة جداً والتي حاول الصانع أن يلبسها كنوع من التمويه وإزاحة المخيال ، ابتغاء جر النص ولو بجزئيات قليلة صوب الكتابة الأدبية الخالصة ، لكن الحماسة طغت والتقريرية تسيدت بسبب قوة المظلومية وفرط التوصيف الجاهز الذي من بعض أسبابه فقر المعجم اللغوي وشحة إعمال الخيال الخلاق ، وهذا يحصل كثيراً ويرمى تالياً على ظهر الإصدار الأول .
في باب التجنيس والتوصيف أرى أن المكتوب هو سنوات مرة بطعم الحنظل وذكريات مدونة على حائط القلب وفي أفضل الوصف هو مذكرات كتبت كمنجاة ممكنة لكاتبها لينزل من على ظهره حمل سنوات سود سخماوات ميزت عيش الناس – حتى الآن – ببلاد ما بين القهرين العظيمين وما حولها من نار أكلت ما تبقى من حطب وزرع وأمل .
الواقع المعاش هنا منقول ومسجل كما هو من دون استعمال المحسنات والتزويق والعدد الكتابية الاخرى ، والإزاحة الفنية القليلة التي حدثت ببعض مفاصل الكتاب لم تهرب أبعد من سور الخاطرة وزفرات الحب العظيم التي كان المتحمسون الإبتدائيون يسجلونها ويرسمونها على أخير دفتر المدرسة وحائط الزقاق وشجرة الصفصاف .
طبعاً أنا لست بطور الباحث عن اجتراح ونحت مصطلح نقدي جديد لجنس كتابيٍّ ، لكي يسجل بإسمي من باب حقوق الملكية الفكرية ، فما أنا بناقد يشتغل على نهج درج عليه النقدة الأوائل والقائمون الآن ، لذلك سترى يا عزيزي القارىء أن مكتوبي الإنطباعي هذا قد يفتقر إلى وحدة الموضوع ويتقافز هنا وهناك ، وقد لا يصل إلى أُس العلة وتمام المعنى !!