فاتح عبد السلام
حين يصل الأربعاء الرئيس الأمريكي جو بايدن الى عمان وتل أبيب، تكون الضربة الإسرائيلية المدمرة على المدنيين في ساحة مستشفى بغزة هي احدث الرسائل الإسرائيلية ،التي إن اخفق بايدن ووزير خارجيته في قراءتها، فإنها ستكون آخر مسمار في نعش قمم انعقدت وأخرى ستنعقد حول الوضع المأساوي في القطاع الذي يتعرض لقصف غير مسبوق يستهدف المدنيين أولاًَ وآخراً ، ولا يوجد أي دليل سوى القليل والنادر في انّ الضربات الجوية نالت من القدرات العسكرية للمقاومة.
ثلاثمائة فلسطيني مدني في مكان معرّف في كل الخرائط الاسرائيلية على انه مستشفى، أبادتهم ضربة اسرائيلية واحدة، ومعظمهم أطفال ونساء، تطايرت رؤوسهم، ولا توجد في الحال إمكانات للتعرف على هوياتهم وجمع أجزاء أجسادهم
المتناثرة. هذه الجريمة لا علاقة لها بعمليات « مشروعة» للدفاع عن النفس وإزالة البنية العسكرية لأي تنظيم فلسطيني مضاد، انّما هي عملية انتقام يراد منها قطع الطريق على أي أمل، يحاول زعماء المنطقة مع بايدن احياءه من بين انقاض هذه الحرب، للعودة الى حلول كانت في السنوات الماضية قريبة من التطبيق الذي كان من الممكن ان يفضي الى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، ومن ثمّ تتغير جميع معطيات الميدان، كون الوضع بات تحت سقف حل الدولتين.
هناك عُقد كثيرة في هذه الحرب، لكن المشكلة الأساسية تكمن في الداخل الإسرائيلي الذي فشل في إيجاد قيادة تأخذه الى بر السلام، وعاد الى نتانياهو الذي جربوه في نهاية التسعينات من القرن الماضي وفي مطلع الالفية الجديدة ، ولم يستطع ان يتعامل إيجابياً مع حقائق قالها أمامه معظم زعماء العالم عشرات المرات ،لاسيما في الدول العربية المحيطة ، بشأن ضرورة عدم الاصغاء لتيار التطرف الديني والتعاطي الإيجابي مع مؤشرات سلام نتجت عن مفاوضات، وعمل هو على طمسها واحلال ظلام المجهول مكانها.
اليوم لا خيار للفلسطينيين سوى عدم الوثوق بأي وعد دولي أو عربي بعد ان قال نتانياهو كلمته النهائية في إبادة سكان قطاع غزة واجبارهم للجوء الى الهجرة الجماعية مرة أخرى، ولا ننسى انّ قسماً كبيراً من أهالي غزة مُهجرون في الأساس من المدن الأخرى، ومن غلاف غزة، الذي جعله الجيش الإسرائيلي درعا الكترونياً وحربياً لحمايته، فكان في لمح البصر، المدخل الذي كشف هزال نظرية توفير الأمن للوافدين من العالم الى المستوطنات ضد سكان الأرض منذ قرون.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية