تحياتي مرة أُخرى لكنها لن تكون الأخيرة حتماً ، فلقد تعايشت مع الأمر مثل قدَر معمول بمطبخ سوء الحظ وفوضى العاطفة .
سأكون شحيحاً هذه الليلة لأن كمية الوهن التي بدأت تغزو جسمي لا تعينني كثيراً على المطاولة والمطاردة القصصية التي كنت تحبها .
إنْ شعرتَ بذنب أو بشيء من وخز الضمير ، فاعلم أنني أسامحك بنفس الدرجة التي قسوت فيها عليك في تلك الأيام الخوالي التي لم نكن نتدبر فيها حتى خبزنا الحافي .
أما الآن فدعني أخبرك بصدق خالص ، أنك إذا قررت العودة المؤقتة على ما تبقى لي من أيام على الأرض ، فسوف أتفهم غيابك عن البيت وقد أحملك ثانيةً على ظهري إن شئت .
يكفيني أن أعرف أنك الآن في المدينة ، وسيكون بمقدوري أن أرى طولك البهي وأنت تدلف إلى دكان الألعاب والضجيج المحبب لديك .
سأسامحك وأضحك بقوة إن لم أرك في الدار وما حولها ، لأنني أعلم مدى كراهيتك لروائح المطهرات وأغلفة الدواء المبعثرة فوق الطاولة القديمة وربما تحت السرير .
لا أريدك أن تسمع صوت سعالي اليابس ولا أن ترى قطيرات الدم التي صارت لعبتي المفضلة حقاً ، ففي كل سعلة فوق منديل الورق الناعم سأكون على موعد مع زخة متفرقة أعود معها إلى استذكار درب التبانة والنجمة العرجاء وأخواتها اللاتي كن يغطين سطح المنزل البعيد .
لم أعد أكلف العائلة حتى وسعها .
سريري ما زال صامداً راسخاً على أربع مع أزيز قليل كأنه سرب جراد قبل النفوق .
لم أعد أدخن كثيراً كما تركتني آخر مرة ، وليتك تفعل نفس ما أفعل .
ماما الجميلة ما زالت تعشق صوتي ، لكنها صارت تبرر سقطاتي القليلة على سلّم الأغنيات بطريقة نضحك عليها حتى نكاد نسبح بزخيخ الدمعات السواخن .
لا تحزن رجاءً .
أنت سبب بقائي حتى الآن .
روزنامة الحائط فيها الكثير من الورق ، والساعة لم تحن بعد .
سأراك يوماً .
كن بخير .