الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأدالجة لا يهزمون

بواسطة azzaman

الأدالجة لا يهزمون

محمد الكرخي

 

تتعدد الأسباب التي تجعل الفرد -أو المجتمع- يفكر بالعالم وينظر إلى نفسه بواسطة الأدلوجة، ونحن ههنا لسنا بصدد تعداد للأسباب ولا تكرار ما جاء في العديد من الكتب والمقالات بخصوص نشوء الأدلوجة وميزاتها ومضارها، وإنما نرغب في تخيل مستقبلنا القريب والبعيد بعد أن تحولت كل سكناتنا وحركاتنا إلى أدلوجة.

تتمحور حياة الأدلوجي حول مبدأ واحد لا مبدأ سواه، وعلى أساس القرب أو البعد من هذا المبدأ يقسم الأدلوجي الآخرين إلى أهل يمين وأهل شمال. والأدالجة ينقسمون إلى جماعتين، الأولى “جماعة القول”، والثانية “جماعة الفعل”. أهل القول هم صائغوا الأدلوجة عقلاً، أما “أهل الفعل” فهم العاملون بالأدلوجة في الواقع. قد تتداخل وظائف كل جماعة في سلوك بعض الأفراد، لكنه تداخل يرجع لملكات فردية لا جماعية، إذ من الممكن للفرد الموهوب أن يصوغ الأدلوجة عقلاً ويمارس حياته بواسطتها فعلاً، أما الجماعة فيصعب عليها أن تنتج الأدلوجة عقلاً ومن ثم تطبقها فعلاً، إن الجماعة قادرة فقط على تطبيق ما أمكن تطبيقه من الأدلوجة، وذلك يرجع لظروف مختلفة من خارج الأدلوجة.

تشترك كافة الأدلوجات بمبدأ واحد، يتلخص في “إيمان صاحب الأدلوجة بأن مبادئه -أو ذوقه أو رأيه- هي الوحيدة القمينة بالبقاء، وأن من الواجب على الآخر تطبيقها”. ويشترك كافة الأدالجة في سلوك واحد يتلخص في “التبرير لنجاح أو فشل أي موقف أو مبدأ أدلوجي”. أجل قارئي، الأدلوجي يبرر النجاح والفشل بنفس الحماس، إنه ينجح بسبب أدلوجته، ويفشل بسبب نكوص الآخرين عن تبني أدلوجته.

«الشك والسؤال” مما يصعب على الأدلوجي تقبله، لأنه ببساطة مجبول على الحفظ لا الفهم، وعلى الحُلم لا الشعور. “الحذف والإبدال والتجاوز والإفراط في التأويل والتلقين والتبرير” كلها أدوات الأدلوجي في ابتداعه للأدلوجة وممارسته لها. أما “الشك والسؤال” فهما مما يجهله الأدلوجي بل ويخافه ذلك “الخوف الخبيث” وليس “الخوف البريء” الذي يعتري كل إنسان جاهل، إنه “خوف خبيث” لوعي الأدلوجي بارتباط مصالحه الشخصية الضيقة بديمومة الأدلوجة. إن تغييب “الشك والسؤال” قسراً ومحاربتهما كألد الأعداء في عالم الأدالجة، سينتهي بالمجتمعات المسيطر عليها أدلوجياً إلى الخراب والدمار والضياع ولربما إلى الزوال.

الأدلوجي يقصي الآخر ويحاربه ويفتري الكذب عليه ويقتله من أجل “المبدأ” الذي يؤمن به. وهو -أي الأدلوجي- يبرر الفشل بشتى التبريرات في سبيل نُصرة “المبدأ”. وهو لا يُهزم أبداً ما دام “المبدأ” يؤتي أُكله.

لربما كان من الممكن حتى الحرب الكبرى الثانية للأدلوجة أن تنتصر على مخالفيها، لكن، بعد أن ساد التفكير العلمي المختلط بالقيم الإنسانية في بعض المجتمعات المتقدمة اقتصادياً وصناعياً، أصبح من المستحيل أن يُكتب النصر للأدلوجة ودعاتها.

 


مشاهدات 41
الكاتب محمد الكرخي
أضيف 2024/10/19 - 12:42 AM
آخر تحديث 2024/10/19 - 4:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 305 الشهر 7839 الكلي 10037562
الوقت الآن
السبت 2024/10/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير