الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من هو صاحب المصلحة في مقتل الملك غازي؟

بواسطة azzaman

من هو صاحب المصلحة في مقتل الملك غازي؟

جواد الرميثي

 

وُلد غازي بن فيصل بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي  في مكّة يوم 12 آذار 1912، وعاش في كنف جدّه الشريف الحسين بن علي ، شريف مكة وقائد الثورة العربية الكبرى ، وتعلم ثقافته الأولية في مدارس الحجاز ، ثم على يد مجموعة من الأساتذة الانكليز في بغداد .

جاء الى العراق عام 1923 مع والدته الملكة حزيمة بنت ناصر باشا بن علي شقيق الشريف حسين  ، وأخواته الاميرات ( عزت ، راجحة و رئيفة ) ، وهو الابن الوحيد للملك فيصل الأول   وثاني ملوك المملكة العراقية ،  اصبح وليا للعهد في مملكة سوريا عام 1920.

سُمّي ولياً للعهد في العراق عام 1924، التحق بكلية هارو في المملكة المتحدة لمدة سنتين ، ثم عاد إلى العراق في عام 1929 والتحق بالكلية العسكرية ، وتخرّج  فيها عام 1932 برتبة ملازم ثانٍ خيال ، وعُيّن مرافقاً للملك فيصل الأول .

أصبح ملكاً على العراق في عام 1933 ، بعد الوفاة الغامضة لوالده الملك فيصل الاول في مدينة ( بيرن ) السويسرية  .

 تقلّد حكم العراق في مرحلة مفصلية وخطيرة من تاريخ العراق والمنطقة العربية ، فقد تقلّد شابا في ريعان شبابه في الحادية والعشرين من عُمره ، وتوفي شابا في السابعة والعشرين من عمره في 4 أبريل/نيسان 1939 .

 كانت وفاته ولا تزال غامضة   تُحيط بها الأقاويل والشُّبهات ، وتتناولها أيدي المؤرخين بالتحليل والتأمل والنتائج التي ترتبت عليها .

نتيجة لمقته لبريطانيا وسياستها ، تقرب غازي من الألمان ، الذين أهدوه معدات لإنشاء إذاعة جديدة ، جعلها في قصر الحكم ، وأطلق عليها اسم (راديو قصر الزهور) ، وكان يتولى بنفسه إذاعةالأخبار والتعليقات بالتعاون ، مع كبار الضباط العراقيين ، وهو ما اعدته بريطانيا دعاية وطنية وقومية حادّة ، فازدادت شعبيته في الدول العربية المجاورة ، لا سيما في سوريا والكويت ، كما اهداه الزعيم الألماني ( ادولف هتلر ) سيارة مارسيدس خاصة .

سُمي ( غازي ) تيمنا بحملة عسكرية كان يقودها والده الملك فيصل الاول في ( عسير ) لتأديب اميرها ( محمد بن علي الإدريسي ) ، الذي أعلن شق عصا الطاعة على الدولة العثمانية .

تزوج في 25 يناير/كانون الثاني 1934 من ابنة عمه الأميرة عالية بنت علي ، ورُزق منها بمولوده البكر ( فيصل الثاني ) في 2 آيار/مايو 1935 .

 بات بقاء الملك غازي  

على رأس السلطة في العراق يُثير المشكلات في وجه بريطانيا، وأصبح يُهدِّد مصالحها في العراق والمنطقة، فكان التخلُّص منه أمرا ضروريا وحتميا في نظر بريطانيا، وفي صباح الرابع من إبريل/نيسان 1939م، نعى مجلس الوزراء الملك غازي ، على إثر اصطدام سيارته التي يقودها بنفسه ، بالعمود الكهربائي الواقع بالقرب من قصر الحارثية ، القريب من قصر الزهور الذي يقيم فيه ، فهوى العمود على السيارة وأصاب رأس الملك إصابة بليغة أودت بحياته .

 أن وفاته كانت ولا تزال غامضة تُحيط بها الأقاويل والشُّبهات ، وتتناولها أيدي المؤرخين بالتحليل والتأمل والنتائج التي ترتبت عليها .

أدّى الغموض في مقتل الملك غازي وانعدام الوثائق الرسمية حوله إلى وجود آراء مختلفة في تفسير هذا الحادث ، فبينما وصفت الأميرة بديعة بنت علي بن الحسين ابنة عم الملك غازي وأخت الملكة عالية في مذكراتها (وريثة العروش) أن سبب مقتل الملك غازي الأول ، كان انهماكه على الشراب والخمر ، الأمر الذي أدى إلى حادثة السيارة التي أودت به ، وتروي عصمت فهمي زوجة صباح ابن نوري السعيد تلك الأجواء قائلة:

(كان للملك غازي ولع خاص باقتناء السيارات واختبار سرعتها ، بل كان من أفضل هواياته ،  قيادة سيارات السباق والانطلاق بها بسرعة فائقة في المناطق النائية التي تحيط بمدينة بغداد ، مع لفيف من المرافقين أو الأصدقاء المقربين ، وكان أغلب هؤلاء من الضباط والطيارين الذين يميلون إلى ألعاب البطولة والمجازفات ،  وبعد دقائق معدودة ، دوى صوت المحرك من جديد ، وانطلقت السيارة الملكية بعنف إلى الطريق العام المرتفع ، فعبرته بقوة ، ثم انحرفت لتتجه إلى طريق الحارثية ، لم يمر على صعودها إلا بعض ثوانٍ ، وإذا بالسيارة ترتطم عند وصولها إلى حافة الطريق بعمود النور ، فتخلعه بعنف ، وتنحدر بركابها من أعلى الطريق ، لتستقر بعد ذلك أسفل الحقل المقابل لقصر الزهور ، وتبيّن أن العمود الثقيل عند سقوطه ، وقع على السيارة فكسر ذراع عبد الله الجالس في المقعد الخلفي ، كما أصاب طرف العمود مؤخرة رأس الملك غازي ، فكانت الضربة القاضية ) .

أما الرأي الآخر والشائع ، فيؤكد أن بريطانيا وأذرعها هي التي دبّرت مقتل غازي ،  ويبدو أن هذا الرأي قد تأكد أو تعضّد بعد مقتل غازي بأكثر من خمسة وثلاثين عاما ، حين التقى عبد الرزاق الحسني مؤلف كتاب (تاريخ الوزارات العراقية) في يوم 8 إبريل/نيسان 1975م بالدكتور صائب شوكت ، طبيب الملك غازي الخاص ، وأول مَن قام بمعاينته بعد الحادث مباشرة ، يقول ذلك الطبيب:

 (كنت أول مَن فحص الملك غازي بناء على طلب السيدين (نوري السعيد ورستم حيدر  أحد الوزراء) لمعرفة درجة الخطر الذي يحيق بحياته ، وأن نوري السعيد طلب إليّ أن أقول في تقريري ، إن الحادث كان نتيجة اصطدام سيارة الملك بعمود الكهرباء ، وأنا أعتقد أنه قد قُتل ، نتيجة ضربة على أمّ رأسه بقضيب حديدي بشدة ، وربما استُخدم شقيق الخادم ، الذي قُتل في القصر (قبل وفاة غازي بمدة قليلة) ، والذي كان معه في السيارة لتنفيذ عملية الاغتيال ، فقد جِيء بالخادم فور وقوع العملية إليّ ، وكان مصابا بخلع في ذراعه ، وقمتُ بإعادة الذراع إلى وضعه الطبيعي ، ثم اختفى الخادم ومعه عامل اللا سلكي منذ ذلك اليوم وإلى الآن ، ولا يعرف احدا سبب ذلك .

مساهمة فعلية

كما التقى عبد الرزاق الحسني بوزير الداخلية العراقي أثناء حكم الملك غازي والشاهد على وفاته ، وهو ناجي شوكت ، وسأله عن حقيقة مقتل الملك غازي ، ليُجيبه قائلا:( لقد احتفظتُ بسرٍّ دفين لسنين طويلة ، وها قد جاء الآن الوقت لإفشائه ، كانت آثار البِشر والمسرَّة طافحة على وجوه نوري السعيد، ورستم حيدر ورشيد عالي الكيلاني وطه الهاشمي ، بعد أن تأكدوا من وفاة الملك ، وكان هؤلاء الأربعة قد تضرّروا من انقلاب بكر صدقي ، واتهموا الملك غازي بأنه كان على علم بالانقلاب ، وأنا أعتقد أن لعبد الإله ونــــــوري السعيد مساهمة فعلية في فاجعــــة الملك غازي) .

ويبدو هذا الرأي منطقيا ، إذ أدّى مقتل الملك غازي إلى إتاحة الفرصة للبريطانيين أن يعملوا بحرية تامة وبدون منغصات ، فالساسة الذين شكّلوا النخبة الحاكمة آنذاك مثل نوري السعيد رئيس الوزراء ، والأمير عبد الإله بن علي الهاشمي ابن عم الملك القتيل والوصي على عرش ابن أخته فيصل الثاني وغيرهم ، كانوا من أنصار بريطانيا ، في المقابل ، كان مقتل الملك غازي قد أثار نقمة الشارع العراقي ، الذي اتهم الإنجليز ونوري السعيد بتدبير هذا الحادث ، واتهم الإنجليزُ الألمان بترديد هذه الدعاية والترويج لها ، وكان رد فعل الشارع العراقي عنيفا ، حتى إن جماهير الموصل قد هاجمت القنصلية البريطانية وقتلت القنصل البريطاني المستر ( مونك ميسن ) .

 ويبدو أن ردة فعل الشارع العراقي هذه قد اضطرت نوري السعيد وجبهته ، إلى الدعوة للإصلاح ، بيد أن سنوات الملك الصغير فيصل الثاني تحت وصاية خاله الأمير عبد الإله الهاشمي ، لم تسِر وفق ما ظنه العراقيون ، وعلى رأسهم الجيش ، ليدخل العراق في دوامة من الاضطرابات والفوضى أدّت في نهاية المطاف إلى القضاء على الملكية والانتقام من الأسرة الهاشمية بالقتل .


مشاهدات 155
الكاتب جواد الرميثي
أضيف 2024/10/19 - 12:39 AM
آخر تحديث 2024/10/19 - 3:22 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 274 الشهر 7808 الكلي 10037531
الوقت الآن
السبت 2024/10/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير