حين تصحو الأمة بالكلام وتنام بالفعل
محمد رسن
صباح الخير على أمةٍ اعتادت أن تستيقظ على الشعارات، وتنام على الهزائم. أمةٍ تتقن فنّ الخطابة، لكنها لم تتعلم بعد لغة الفعل. كل يوم نسمع أصوات الغضب، نرى الحناجر تعلو، واللافتات تُرفع، لكن عند أول امتحان حقيقي، تسقط الأقنعة، ويُستبدل الفعل بالتصفيق، والموقف بالحياد. غرامشي، المفكر الذي أدرك جوهر العلاقة بين الثقافة والسلطة، قال بما معناه إن المثقفين حين يتخلّون عن دورهم في مساءلة السلطة ومقاومتها، يتحوّلون إلى أدوات بيدها، ميليشيات من نوع آخر، تمارس التزيين والتبرير باسم الفن والفكر. فحين تصبح القصيدة زينة لوجه الاستبداد، والمقال نشيداً للحاكم، والأغنية تمجيداً للواقع الرديء، فإن الكلمة تفقد قدسيتها وتتحول إلى خيانة صامتة. في عالمنا العربي، كثير من النقابات والاتحادات التي وُجدت لتكون حصناً للوعي ودرعاً للكرامة، تحوّلت إلى دوائر شكلية، وإلى صالات مجاملة، تتناسل فيها الخطابات، وتُدفن فيها القضايا الحقيقية. لقد أفرغت هذه الكيانات من دورها التاريخي، فلم تعد تصنع رأياً عاماً ولا تحمي المبدع، بل صارت جزءاً من آلة التزييف التي تكرّس الخنوع والجمود. غرامشي لم يكن يتحدث عن الماضي، بل عن حاضرٍ نعيشه بكل تفاصيله: المثقف الذي يصمت أمام القمع، الإعلامي الذي يجمّل الخراب، الشاعر الذي يكتب مديحاً بدل أن يكتب احتجاجاً. هؤلاء، كما يقول، لا يختلفون عن الجنود في خدمة السلطة، لأن الصمت تواطؤ، والتبرير خيانة. يا أمة تتكلم كثيراً، ما أحوجك إلى من يفعل قليلاً. ما أحوجك إلى مثقفٍ لا يخاف، إلى فنانٍ لا يُجامل، إلى كاتبٍ لا يساوم، إلى اتحادٍ يُشبه اسمه، لا يُشبه من يرأسه. فالكلمة التي لا تُحدث فعلاً، ليست أكثر من صدى في وادٍ فارغ، والوعي الذي لا يُقاوم، يتحول إلى زينةٍ في صدر الطغاة. صباح الخير... على أمةٍ إن أرادت أن تنهض، فعليها أولاً أن تصحو حقاً.