الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من الأنديز إلى دارفور..  إغراءات مالية تدفع كولومبيين لميدان الحرب في السودان

بواسطة azzaman

من الأنديز إلى دارفور..  إغراءات مالية تدفع كولومبيين لميدان الحرب في السودان

 

بوغوتا,  (أ ف ب) - انتقل مئات الجنود الكولومبيين السابقين إلى السودان للمشاركة في الحرب مقابل وعود بالحصول على رواتب مرتفعة. لكن كثيرين منهم قُتلوا في ساحة المعركة البعيدة، بينما وجّهت أصابع الاتهام إلى الناجين بارتكاب جرائم حرب.

ويكشف تحقيق أجرته وكالة فرانس برس عن شبكة تمتد من جبال الأنديز في أميركا الجنوبية مرورا بالخليج ووصولا إلى جبهات دارفور في غرب السودان، حيث يقاتل كولومبيون إلى جانب قوات الدعم السريع التي تخوض حربا مدمّرة منذ أكثر من سنتين مع الجيش السوداني.

واستنادا إلى مقابلات مع مرتزقة وأفراد من عائلاتهم وسجلات شركات وتحديد مواقع جغرافية لمشاهد في ساحة المعركة، تمكّنت فرانس برس من تسليط الضوء على دور الكولومبيين في تعزيز صفوف الدعم السريع، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية.

ومن النقاط الرئيسية التي جرى التوصل إليها، أنّهم جُنّدوا عبر تطبيق واتساب، ثم نُقلوا إلى السودان بعد خضوعهم لمهام تدريبية قصيرة في الإمارات.

واعتمدوا طريقين للوصول إلى السودان، إحداهما تمر عبر شرق ليبيا الموالي للإمارات، والثانية عبر قاعدة جوية في بوصاصو في الصومال تضمّ مسؤولين عسكريين إماراتيين.

ويُظهر تحديد المواقع الجغرافية للقطات صوّرها مرتزقة، وجودهم في أسوأ المعارك التي شهدها إقليم دارفور.

اطراف اقليمية

ووفقا لشريك منفصل عن عقيد كولومبي سابق يخضع لعقوبات أميركية لكونه جزءا من «شبكة التجنيد» هذه، تمثلت المهمة في ضم 2500 رجل إلى صفوف قوات الدعم السريع.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/أبريل 2023، تتجاذب هذا البلد أطراف إقليمية متنافسة بناء على مصالح مختلفة، ومن بينها الإمارات ومصر والسعودية وإيران.

كما ظهر مرتزقة إلى جانب طرفي النزاع، غالبيتهم من دول إفريقية، مثل إريتريا وتشاد.

ولكن هؤلاء لم يقوموا بعمليات معقّدة ومتطوّرة مثل تلك التي يقوم بها الكولومبيون، المعروفون بخبرتهم في حرب المسيّرات والمدفعية.

ووفقا لجندي كولومبي سابق، فقد تلقوا مقابل قيامهم بهذه المهام، من 2500 إلى 4 آلاف دولار شهريا، أي ما يعادل ستة أضعاف معاشهم التقاعدي العسكري.

في التاسع من كانون الأول/ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة كولومبيين وشركاتهم، بسبب دورهم في هذه الشبكة العابرة للحدود.

ولكنها لم تذكر اسم الشركة الإماراتية المسؤولة، وهي شركة مقاولات أمنية خاصة اسمها «المجموعة العالمية للخدمات الأمنية» (Global Security Services Group) ومقرها أبو ظبي، وتضم قائمة عملائها العديد من الوزارات الإماراتية.

ولطالما نفت الإمارات دعم قوات الدعم السريع. وردا على استفسارات فرانس برس، وصف مسؤول التقارير عن إرسال مرتزقة كولومبيين إلى السودان بأنّها «مختلَقَة وأخبار كاذبة».

- تدريب فتيان في دارفور -

في كولومبيا، تعاني العائلات بصمت.وتقول أرملة أحد الكولومبيين، رافضة الكشف عن اسمها بدافع الخوف، «لم يعيدوا جثمانه إلى الوطن بعد».قُتل زوجها، وهو جندي سابق يبلغ من العمر 33 عاما، بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السودان في منتصف العام 2024، أي بينما كانت حملة قوات الدعم السريع لإحكام سيطرتها على إقليم دارفور، تشهد تعثرا.

ورغم أنّ تقارير تفيد بأنّ هذه القوات تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، إلا أنّ معظمهم جنود مشاة ذوو مهارات متدنية تتمحور حول الاغتصاب والنهب.

في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، بعد محاصرتها لأكثر من 18 شهرا، وذلك وسط أدلّة على عمليات قتل جماعي واختطاف واغتصاب.

ووفق الولايات المتحدة، جاء سقوط المدينة في قبضة الدعم السريع، «بدعم من المقاتلين الكولومبيين».

وتُظهر مقاطع فيديو تحقّقت منها فرانس برس وحددت موقعها الجغرافي، وجود كولومبيين في الفاشر وحولها قبل عملية الاستيلاء عليها.وتقول إحدى المجموعات المتحالفة مع الجيش إنّ حوالى 80 كولومبيا شاركوا في محاصرة المدينة منذ آب/أغسطس.وفي أحد المقاطع، يظهر كولومبيون وهم يقودون سيارات عبر أنقاض مخيّم زمزم للنازحين في شمال دارفور، بينما كانوا يستمعون إلى موسيقى الريغيتون. ويقول رجل بلكنة كولومبية «دُمّر كل شيء».

وقُتل أكثر من ألف مدني في هجوم شنّته قوات الدعم السريع على المخيم في نيسان/أبريل، أدى إلى نزوح أكثر من 400 ألف شخص، ووصفه ناجون بـ»مجازر عرقية».

ويظهر الرجل نفسه في بعض الصور مع فتيان يحلمون بنادق هجومية، بينما يظهر رفاقه في صور أخرى وهم يعلّمون مقاتلا على استخدام قاذفة صواريخ.

وفي صور عرضها أحمد حسين المتحدث باسم القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، ظهرت جثة الرجل ملطّخة بالدماء. وأمكن التعرّف عليه من ملامح وجهه وجهاز تقويم الأسنان الذي يضعه. ووُصف بأنّه «قائد» الفصيلة.

وفي وقت لاحق، قُتل أحمد حسين نفسه في هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر.وأفادت السلطات السودانية الموالية للجيش، عن مقتل 43 كولومبيا، بينما أعلنت وزارة الخارجية الكولومبية أن عددا غير محدد من الأشخاص «تعرّضوا للخداع» من شبكات اتجار بالبشر للذهاب إلى السودان.

 خداع وتضليل

بعد مرور عام على تقاعده، تلقى كولومبي متخصّص في المسيّرات العسكرية رسالة عبر تطبيق واتساب تقول «هل يوجد محاربون سابقون مهتمون في (الحصول على) عمل؟ نحن نبحث عن جنود احتياط من أي قوة. التفاصيل عبر رسالة خاصة».

وتلقّى الجندي السابق البالغ من العمر 37 عاما، عرض عمل من رجل عرّف نفسه بأنّه عقيد سابق في سلاح الجو، وأخبره بأنّ الوظيفة في دبي، فقبِل.

يتقاعد آلاف الجنود الكولومبيون سنويا، وهم صغار السن نسبيا ويتقاضون معاشات تقاعدية منخفضة.وفي السابق، وجد كثير منهم فرصة عمل في أبو ظبي، إن في حراسة خطوط أنابيب النفط أو في القتال في اليمن ضد المتمرّدين الحوثيين.في اتصال لاحق، أُخبر الكولومبي المتخصص في المسيّرات، أنّ دبي ستكون محطة سيخضع فيها لتدريب لعدّة أشهر، قبل أن يُنقل إلى إفريقيا للقيام بمهمة استطلاع تكتيكي.عندها انتابته شكوك، واتصل بصديق يعمل في الإمارات حذّره من احتمال أن ينتهي به المطاف في السودان، فقرّر عدم المشاركة.لكن كولومبيين آخرين أغراهم العرض.ورغم أنّ معظم رحلات المرتزقة وعقودهم نُظّمت بسرية، إلا أنّ بعضهم كان أقلّ تحفّظا من غيره في الحديث عن الموضوع.ووثّق أحدهم ويدعى كريستيان لومبانا رحلاته في العام 2024 إلى السودان عبر فرنسا وأبو ظبي، على شبكات التواصل الاجتماعي.

ونشر مقطع فيديو على تطبيق تيك توك حُدد موقعه على أنّه في جنوب شرق ليبيا، وفقا لمجموعة بيلينغكات BellingCat الاستقصائية.

ويخضع شرق ليبيا لسيطرة المشير خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم الإمارات. ومنذ بدء الحرب في السودان، تحوّلت هذه المنطقة إلى ممر حيوي لإمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والوقود والمقاتلين.

بعد أيام من نشر مقطع الفيديو على تيك توك، تعرّض موكب لومبانا لكمين في صحراء دارفور.

وانتشرت على نطاق واسع لقطات صوّرها مقاتل منافس تُظهر وثائق له وصورا لعائلته متناثرة على الرمال. كما يظهر على جواز سفره ختم دخول إلى ليبيا.

محطة الصومال

تشير وثائق وشهادات جمعتها وكالة فرانس برس إلى الكولونيل الكولومبي المتقاعد ألفارو كويجانو، على أنّه يقف وراء عمليات التجنيد هذه.

وتحدثت فرانس برس مع شريكه المنفصل عنه الرائد السابق عمر رودريغيز، الذي قال إنّ كويجانو «أوقف» العملية مؤقتا، بعد التعرّض لكمائن في الصحراء العام الماضي.

في هذه السنة، بدأ المرتزقة بالمرور عبر بوصاصو في الصومال حيث أفادت مصادر محلية فرانس برس بأنّ قسما تديره الإمارات من قاعدة عسكرية يستقبل مجموعات من الأجانب بزي عسكري يُنقلون في طائرات شحن.وتقع بوصاصو في ولاية بونتلاند التي تحظى بحكم شبه ذاتي، حيث قامت أبو ظبي بتدريب وتسليح وتمويل قوة شرطة بونتلاند البحرية منذ العام 2010، وفقا لخبراء في الأمم المتحدة ومحلّلين أمنيين.

وأفادت مصادر أمنية فرانس برس بأنّ مسؤولين عسكريين إماراتيين يتمركزون في منطقة منفصلة من المطار.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، نُشرت تقارير عن تسريب ضخم لبيانات من نظام التأشيرة الإلكترونية في الصومال، كشفت عن بيانات شخصية لـ35 ألف شخص على الأقل، أفيد بأنّ من بينهم كولومبيين كانوا في طريقهم إلى السودان.

وردا على هذه المعلومات، قال مستشار الأمن القومي الصومالي أويس حاج يوسف لفرانس برس، «يتعيّن علينا أن نحقّق في الأمر، ونحن نقوم بذلك». لكنّه شدد على الحاجة إلى أدلّة قوية وعلاقات جيدة مع الإمارات.

وفيما تشير التقارير الواردة من الصومال إلى أنّها تُستخدم كمحطة توقف، قال وزير الدفاع أحمد معلم فقي أمام البرلمان أخيرا، إنّ الطائرات كانت تنطلق من بوصاصو «إلى تشاد والنيجر، للوصول إلى غرب السودان».

كذلك، أفاد أحد السكان المحليين الذين يترددون على المطار بسبب عمله، فرانس برس، بأنّه رأى بين آذار/مارس وتموز/يوليو، مجموعات من الأجانب «من ذوي البشرة الفاتحة في منتصف الثلاثينات والأربعينات من العمر، لديهم بنية عسكرية، وكانوا يصطّفون ويُنقلون في طائرات شحن».

وأضاف أنّهم غالبا ما كانوا يُرافَقون إلى القسم من المطار الذي يضم مسؤولين إماراتيين.

وأشار علي جمعة وهو من سكان بصاصو أيضا، إلى أنّه شاهد أجانب مزوّدين بمعدات تكتيكية، ينقلون على متن طائرة شحن في نيسان/أبريل.

وتظهر صور من الأقمار الاصطناعية للمطار حصلت عليها فرانس برس، وجودا منتظما للعديد من طائرات الشحن من طراز إليوشن IL-76D، مماثلة لتلك التي رصدتها فرانس برس في قواعد جوية في الإمارات وليبيا.

كما تُظهر بيانات لتتبّع الرحلات الجوية حلّلتها فرانس برس، نشاطا مكثفا للنوع نفسه من الطائرات في المطار. ورُبط هذا الطراز أيضا بخطوط إمداد قوات الدعم السريع عبر تشاد.

 

- «2500 رجل» -

 

في الآونة الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كويجانو وزوجته كلوديا أوليفيروس لكونهما جزءا من شبكة «تجنّد عسكريين كولومبيين سابقين وتدرّب عناصر، من بينهم أطفال، للقتال ضمن قوات الدعم السريع السودانية».

 

وقالت وزارة الخزانة الأميركية «منذ أيلول/سبتمبر 2024، سافر مئات العسكريين الكولومبيين السابقين إلى السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع».

 

ووفقا لاثنين من المرتزقة السابقين الذين تحدثت إليهم فرانس برس، فإن وكالة كويجانو للخدمات الدولية «إيه فور أس آي» (A4SI)، أرسلت مجندين أولا إلى الإمارات، ثم إلى شرق ليبيا، ثم إلى السودان.

 

وكان شريكه رودريغيز المنفصل عنه، أسس هذه الشركة في العام 2017، على أنّها ظاهريا شركة توظيف. وقال إنّ كويجانو يتمتع بعلاقات أفضل في الإمارات.

 

بعدما تراكمت عليه الديون، باع رودريغيز حصته في العام 2022 إلى زوجة كويجانو التي لا تزال مالكة الشركة، بحسب السجلات القانونية.

 

وأشار إلى أنّ كويجانو حاول «إرسال 2500 رجل» إلى السودان.

 

وحصلت فرانس برس على 26 وثيقة موقّعة من كولومبيين في ليبيا تخوّل «المجموعة العالمية للخدمات الأمنية» (Global GSSG/Security Services Group) دفع رواتبهم.

 

ونصّ أحد العقود على توظيف كولومبي كـ»حارس أمن»، على أن تحوّل الرواتب عبر شركة مسجّلة في بنما.

 

وبحسب السجل التجاري الإماراتي الذي يعود تاريخه إلى العام 2018، فإنّ «المجموعة العالمية للخدمات الأمنية» مملوكة لرجل الأعمال محمد حمدان الزعبي. وتقول على موقعها إنها «الشركة الخاصة الوحيدة التي تؤمن خدمات أمن مسلّحة لحكومة الإمارات».

 

في الآونة الأخيرة، قامت هذه الشركة بإزالة قسم من موقعها الإلكتروني كان يذكر ثلاثة من عملائها: وزارة الداخلية الإماراتية ووزارة الخارجية وديوان الرئاسة.

 

ولم تستجب أي من الشركات لطلبات فرانس برس للتعليق.

 

وردّا على أسئلة تتعلّق بهذا التحقيق، قال مسؤول إماراتي رفيع لوكالة فرانس برس إن بلاده «ترفض بشكل قاطع مثل هذه الادعاءات، وترفض أي ادّعاء بأنّها زوّدت أو موّلت أو نقلت أو سهلت تسليم أسلحة إلى أي من الأطراف المتحاربة، عبر أي قناة أو ممرّ».

 

وأضاف المسؤول «هذه المزاعم كاذبة، وغير موثقة، وتتعارض مع الوقائع».

 

واعتبر المسؤول أن هذه الادعاءات «تحرف الأنظار عن العمل الضروري اللازم لإنهاء هذه الحرب القاسية من أجل مصلحة الشعب السوداني».

 

- «وصل رماده» -

 

وتنفي الإمارات أي دور لها في الحرب في السودان، لكن تقارير صادرة عن خبراء في الأمم المتحدة ومشرّعين أميركيين ومنظمات دولية تفيد بأنّها دعمت قوات الدعم السريع، في ما يشكل انتهاكا لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور.

ووفق دبلوماسيين ومحلّلين، فإن الإمارات مهتمة بمخزون الذهب الموجود في السودان وبأراضيه الزراعية الخصبة وساحله الطويل على البحر الأحمر وموقعه الاستراتيجي بين القرن الإفريقي ومنطقة الساحل.

في كولومبيا، أقرّ المشرّعون أخيرا قانونا يحظر تجنيد المرتزقة، بعدما أثار ظهور مواطنين كولومبيين في النزاعات في هايتي وأفغانستان وأوكرانيا، غضبا واسعا.

 

ولكن هذا القانون جاء متأخرا بالنسبة إلى مقاتل كولومبي آخر قُتل في النزاع في السودان العام الماضي، عن عمر يناهز 25 عاما.

وتقول امرأة قدّمت نفسها على أنّها قريبته، «وصل رماده إلى كولومبيا».


مشاهدات 33
أضيف 2025/12/21 - 5:37 PM
آخر تحديث 2025/12/21 - 11:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 18 الشهر 15934 الكلي 12999839
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير