الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شرعنة الفساد وإستنزاف الأموال

بواسطة azzaman

شرعنة الفساد وإستنزاف الأموال

مشتاق الجليحاويّ الميّاحيّ

 

‏تشهد الساحة السياسية في العراق تفاقمًا متزايدًا لظاهرة شرعنة الفساد المالي والإداري من قبل بعض الأحزاب التي اتخذت من موارد الدولة مصدرًا للثراء الفاحش وبناء الإمبراطوريات الشخصية. وأبرز مظاهر هذا الفساد تتمثل في الكومشينات، وهي العمولات التي تُفرض على الشركات والمقاولين مقابل تمرير العقود لهم أو التساهل فيها، إذ أصبحت هذه المبالغ واحدة من أهم مصادر التمويل غير الشرعي لتلك الجهات، ‏عقود بمبالغ خيالية وحسابات تتضخم سريعًا، حيث أنّ الكثير من العقود والمشاريع الحكومية تُدار وفق آليات غير شفافة، إذ يتم تضخيم كلف المشاريع لتصل إلى أرقام فلكية وغير واقعية جداً، بينما تذهب نسبة كبيرة من هذه الأموال كـ “استحقاقات” حزبية وشخصية، هذا النوع من “الموازنات الموازية” أدى إلى نزيف مستمر في مالية الدولة، وحرم المواطن من أبسط حقوقه في الخدمات والتنمية والتعمير، وعليه فإن‏ الجشع السياسي وغياب المساءلة سببها‏ غياب الإرادة السياسية الحقيقية في محاسبة كبار الفاسدين، إضافة إلى ضعف الأجهزة الرقابية، مما خلق بيئة مناسبة لتكاثر الفساد وتحوّله إلى سلوك طبيعي عند بعض القيادات الحزبية والتيارية، هذا الجشع السياسي الذي تغذّيه السلطة المطلقة وغياب الردع، أدّى إلى نشوء طبقة متخمة بالمال والنفوذ أيما تخمة، في مقابل شعب يعاني من البطالة تارة، ومن تردّي البنى التحتية تارة أخرى، و‏سكوت المواطني شراكة غير مباشرة.

امتيازات بسيطة

ولعلّ الأكثر خطورة هو سكوت جزء من الشعب عن هذه الممارسات، إما عن يأس أو مقابل بعض الامتيازات البسيطة التي يحصلون عليها من سياسيين نافذين، فبعض المواطنين، ممن باتوا يُوصفون بـ “أتباع السياسيين”، تحوّلوا إلى جزء من منظومة الفساد من خلال الدفاع عن ممارسات غير قانونية، الأمر الذي عزز شعور بعض الأحزاب بأنّها فوق المحاسبة.

مبدأ ‏“من أين لك هذا؟” ضرورة لحماية الدولة وحماية مواردها ومشاريعها من حيتان الفساد، وعلى الجميع إدراك أهمية سنّ وتفعيل قانون صارم لـ “من أين لك هذا؟”، يكون شاملاً ولا يستثني أحدًا من المسؤولين، على أن يتضمن عدة أمور رئيسة وضرورية لمحاربة الفساد، منها ‏كشف الذمة المالية بصورة دورية لكل مسؤول يتسنم منصباً أو نائباً يُمنح الثقة، والتحقيق في أي تضخم غير مبرر في ممتلكات القيادات السياسية، وكذلك ‏فتح ملفات العقود بأثر رجعي، و‏مصادرة الأموال غير المشروعة وإعادتها إلى خزينة الدولة، ‏مثل هذا القانون في حال تم تطبيقه بجدية، سيكون خطوة أولى نحو استعادة جزء من كبير جداً الأموال المنهوبة. ويجب أن يكون ‏هناك وعي شعبي؛ فهو مفتاح التغيير الحقيقي؛ حيث أن دور المواطن يُعدّ الركيزة الأساسية في الإصلاح، إذ يمكن للشعب ـ من خلال الاحتجاجات السلمية والوقفات الشعبية ـ الضغط على السلطات لإجبارها على محاسبة الفاسدين، لكن العامل الأهم يبقى يوم الانتخابات، الذي يجب أن يكون أداة فعّالة لإقصاء الفاسدين واختيار من يمتلك برنامجًا إصلاحيًا حقيقيًا.

‏اليوم ‏الفساد لم يعد مجرد تجاوزات فردية، بل أصبح منهجًا لدى بعض الأطراف التي تعمل على تقنينه وتسويغه بطرق شتى، والحل يتطلب تضافر الجهود بتشريع قانون رادع، وتقوية المؤسسات الرقابية الفاعلة، وشعب واعٍ لا يساوم على حقوقه، وحده هذا المثلث قادر على وقف النزيف وإعادة بناء الدولة على أسس النزاهة والعدالة.

 

 


مشاهدات 44
الكاتب مشتاق الجليحاويّ الميّاحيّ
أضيف 2025/12/17 - 3:07 PM
آخر تحديث 2025/12/18 - 10:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 446 الشهر 13309 الكلي 12997214
الوقت الآن
الخميس 2025/12/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير