الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإنقلاب الناعم

بواسطة azzaman

الإنقلاب الناعم

محمد زكي ابراهيم

 

لم تكن تجربة الانتخابات العراقية التي جرت يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني 2025 تجربة عادية مرت على العراقيين مثل غيرها من التجارب، ولم تكن نتائجها عادية كسواها من النتائج،  بل كانت بكل المقاييس ثورة اجتماعية وسياسية كبرى.

 لقد كان أهم ما فيها على الإطلاق هو إخفاق شريحتين اجتماعيتين، كان لهما في ما مضى دور لا يمكن إغفاله، وحضور ليس من السهل تجاوزه،  وهما شيوخ القبائل، و(شيوخ) التيار المدني، في الحصول على مقعد في مجلس النواب.

 ولئن كان الأولون يمثلون سكان الأرياف الذين مازالوا يعولون على المضايف والدواوين في حل مشاكلهم الاجتماعية والأمنية، ويرون في زعاماتهم (الكبار) الذين يفزعون لهم وقت الملمات، فإن الآخرين هم بقايا الأحزاب اليسارية التي كانت تهيمن على الساحة في عصر ما بعد الاستعمار، وتبشر بظهور الاشتراكية، وتضطلع بدور محاربة الأنظمة (الرجعية) والعشائرية، وتقوم بمهمة التحديث على الطريقة الغربية، قبل أن يتداخل اليمين واليسار، والشرق والغرب، ويضيع الحابل بالنابل!.

لقد فعل الزمن فعلته، وتضاءل دور الاثنين معاً، فقد تقلص عدد ساكني الأرياف بشكل لا يمكن تجاهله، بعد الهجرة الجماعية إلى أطراف المدن، واكتشف هؤلاء المهاجرون أن الحاجة إلى شيوخ العشائر وما يتفرع منها من (أفخاذ) و(حمائل) لم تعد كما كانت من قبل، وأنهم باتوا فائضين عن الحاجة بشكل لا تخطئه العين!

 ولم يدرك مرشحون كثيرون هذه الحقيقة من قبل، فكانوا يعمدون إلى ارتداء الزي العربي، ويسبقون أسماءهم بكلمة (الشيخ)، مع أنهم موظفون حكوميون، أو ضباط متقاعدون، أو (رفاق) سابقون، طمعاً بالفوز! حتى أن أحد وزراء الحكومة التي شارفت مهمتها على الانتهاء، خاض الانتخابات بصفة (الشيخ) وليس الوزير أو العسكري المخضرم، فوضع هذه الكلمة أمام اسمه لأنها بنظره جواز مرور لا بد من للفوز.

 ولم يكن (رموز) التيارات المدنية أسعد حالاً، فهم في الأصل يمثلون أحزاباً ضاربة في القدم، أو تيارات موغلة في الحداثة، أو نتاج تظاهرات واحتجاجات (مليونية)، وجدوا في النظام الذي أقامه خصومهم فسحة واسعة من الحرية للتعبير عن رؤيتهم (المتقدمة) للأمور، هذا عدا عن امتدادات خارجية تمدهم بالدعم حينما تدعو الحاجة، والتشجيع حينما تتطلب الأمور! وفي ما يبدو تقلصت جموع المؤيدين  بشكل سريع، وتناقص عددها إلى الحد الذي باتت لا تمثل فيه سوى رقم عادي لا وزن له على الإطلاق.

 ومن الغريب أن هذه القوى التي كانت في يوم من الأيام تدعي الثورية، أخذت تناصب (الثوار الجدد) العداء، وتصفهم بأبشع النعوت، وتهدد بتصفيتهم إذا ثنيت لها الوسادة.

لقد تغيرت الأحوال وباتت الثورية لديها تعني الذوبان في الآخر الغربي، والالتزام بأوامره ونواهيه، حتى لو كان الأمر يتعلق بقضية العرب التقليدية، التي خاضوا من أجلها بضعة حروب، وكثيراً من المعارك السياسية والاقتصادية.

ولم تدرك أنها وقعت في خطأ مميت لم تعد قادرة بسببه على النهوض، فهذه القوى التي بالغت في الانتقاص منها، والإساءة إليها، حتى أطلقت عليها تسميات استصغار، حصدت مقاعدا كثيرة، في حين عجزت هي عن الفوز بمقعد يتيم واحد، وربما أسهمت هي دون أن تدري بزيادة مقبوليتها لدى الناس.

  ومهما كان الرأي في الانتخابات فهناك حقيقة لا بد من التسليم بها، وهي أن هذا العام شهد انقلاباً مهماً في الأفكار، سيكون قابلاً للاتساع في المواسم القادمة.

ومن السابق لأوانه الآن التكهن بما سيحدث، لكن هذا الشرخ الذي أطاح بالكثيرين، هو مقدمة منطقية لتغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي كبير سيعصف بالعراق في المستقبل.

 


مشاهدات 28
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/11/22 - 1:59 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 2:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 99 الشهر 16400 الكلي 12677903
الوقت الآن
الأحد 2025/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير