الحرب المستعرة إلى أين ؟

كامل الدليمي

تشهد الساحة السنية في العراق اليوم حالة من الانقسام الحاد والصراع المستعر بين أطرافها المختلفة، صراع يبدو في ظاهره تنافساً سياسياً طبيعياً، لكنه في جوهره حرب استنزاف داخلي سيدفع ثمنها المجتمع السني قبل غيره. فما يجري من شد وجذب ومناكفات متواصلة لا يمكن النظر إليه إلا بكونه إعادة إنتاج للمثل القائل: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، حيث ينشغل القوم بتناحرهم بينما تُستنزف قوتهم وتُفقد فرصهم، ثم لا يبقى لهم إلا الحسرة والندم بعد أن يكون الأوان قد فات.إن استمرار هذا الانقسام يضعف الموقف السني على طاولة التفاوض الوطني، ويُشتت المجتمع ويزرع الإحباط في صفوفه، ويؤدي إلى ضياع الفرص التنموية التي كان من المفترض أن تُسخّر لإعمار المدن المدمرة وإعادة النازحين وتعويض المتضررين. كما أن هذا الصراع الداخلي يخلق فراغاً سياسياً وأمنياً يفتح الباب أمام الأطراف الأخرى لملئه على حساب الاستحقاق السني، فيتحول الخلاف من مجرد تنافس إلى سبب مباشر لتراجع الدور والوزن والتأثير.إن الأخطر في هذه الحالة أن ارتداداتها لن تكون آنية فحسب، بل ستتوالى تباعاً، تبدأ بخسارة المواقع السياسية المهمة، وتصل إلى تهميش الصوت السني في القضايا المصيرية، وقد تنتهي بانعدام الثقة بين المواطن وممثليه. وعندها سيكتشف الجميع أن الخاسر لم يكن زعيماً بعينه ولا تياراً بعينه، وإنما مجتمع بأكمله ضيّع فرصته بسبب انقسام قادته وتناحرهم.

ولذلك، فإن صوت العقل يدعو اليوم إلى أن تتوقف هذه المناكفات، وأن تتقدم المصلحة العامة على المكاسب الضيقة، فالوحدة ليست خياراً سياسياً عابراً، بل شرط بقاء وضرورة وجود. إنّ التاريخ لن يرحم، وسيكتب أن السنة أضاعوا موقعهم في عراق الغد بأيديهم إذا لم يتداركوا الأمر بسرعة، وأنهم أكلوا يوم أُكل الثور الأبيض.