الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشيوعية ما بين المحاولة والنهاية الراكدة

بواسطة azzaman

الشيوعية ما بين المحاولة والنهاية الراكدة

الشيوعية والاشتراكية

محمد صالح البدراني

 

في تاريخ الفكر السياسي الحديث، لم تحظَ فكرة بقدر من الحماسة والأمل مثلما حظيت به الاشتراكية، ولا شهدت مسارًا دراميًا متناقضًا مثل الشيوعية. كلاهما نبت من تربة واحدة: السخط على الظلم الاجتماعي، والرغبة في المساواة الاقتصادية، ونقد الرأسمالية بوصفها نظامًا يُعلي من شأن الملكية الفردية ولو على حساب الإنسان غير أن الفرق بين المسارين، وخصوصًا في نهاياتهما، يكشف عمق الفجوة بين الفكرة والواقع، بين الحلم والطبيعة البشرية.

الاشتراكية ليست اختراعًا ماركسيًا صرفًا، لكن نقص الفكرة في فهم الإنسان والكون انحدر بها إلى وحشية دموية بسلوكيتها أفظع مما أتت هي عليه كرد فعل على وحشية الاستغلال الرأسمالية المبكرة في زمن الثورة الصناعية نادى المفكرون الاشتراكيون بتقليص الفوارق الطبقية، وتوفير الحقوق الأساسية كالتعليم والعمل والسكن والصحة لكل فرد، وهي مورست من الأديان، لكنها أضحت وهما عندما تخطت باحتقار طبيعة البشر وبعض غرائزه كحب السيادة والتملك وعملية بفرضها انتهكت كرامة الإنسان.

ومع أن ماركس قد منح الاشتراكية بعدًا علميًا وتاريخيًا، فإنه لم يرَ فيها سوى مرحلة انتقالية نحو الشكل الأعلى للمجتمع: الشيوعية الاشتراكية عنده هي الطور الذي لا تزال فيه الدولة قائمة، والملكية جماعية لكنها بإشراف بيروقراطي، في حين أن الشيوعية هي الحلم النهائي: لا طبقات، لا مال، لا دولة، بل مجتمع "حر يعمل فيه كلٌ حسب طاقته ويأخذ حسب حاجته".

 مع ثورة 1917 في روسيا، انتقل ماركس من النظرية إلى المختبر ولأول مرة، وُضِعت الشيوعية على طاولة التجريب السياسي، لكن لينين، ومعه لاحقًا ستالين الذي كان دمويا يميل للعنف، لم يطبّقوا الشيوعية كما تخيّلها ماركس، بل صاغوا نظامًا سلطويًا باسمها؛ الدولة أصبحت مركز كل شيء، الحزب هو الدولة، والبيروقراطية تضخّمت، ومع أن الاتحاد السوفيتي حقق نجاحات صناعية وعسكرية مذهلة، خصوصًا في العقود الأولى، إلا أنه فشل في الإنسان.

فشل الانتقال

التحول من الاشتراكية إلى الشيوعية لم يتحقق فعليًا. ظلّت "المرحلة الانتقالية" إلى فشل التجربة ونهاية الفكرة على الأرض، فقد ازدادت الدولة جبروتا بدل أن تذوب في الواقع، ما حدث هو تضخّم جهاز الدولة حتى أصبح غاية في ذاته، وصار قمع الحريات يُبرّر باسم المساواة الطبقية، وغدا المواطن مجرد ترس في آلة بيروقراطية لا تطيق النقد، نوع بدى كرأسمالية الدولة ثم انتفاخ في الوكلاء.

على الضفة الغربية من العالم، ومع انهيار مشاريع الشيوعية الكاملة، ظهرت الاشتراكية الديمقراطية كنموذج أكثر تواضعًا، وأكثر انسجامًا مع طبيعة الإنسان. بلدان مثل السويد، النرويج، ألمانيا، وكندا، اعتمدت هذا النموذج، حيث يظل السوق حرًا ولكن محكومًا بإطار قانوني يحمي الفئات الضعيفة، وتظل الملكية الفردية قائمة، تجري إعادة توزيع الثروات عبر الضرائب والخدمات الاجتماعية؛  هذا النموذج لم يعد يطمح لإلغاء الطبقات، ولا إلى "ذوبان الدولة"، بل إلى تحقيق نوع من المساواة دون المساس بالحرية، وبالرغم من أن بعض الدول الاشتراكية الديمقراطية واجهت أزمات اقتصادية، فإن قدرتها على التكيّف والإصلاح دون سقوط النظام كله جعلتها أكثر نجاحًا من التجربة السوفيتية أو الصينية {في مرحلتها الماوية} الاشتراكية الديمقراطية تركز على دور الدولة في توفير الرعاية الاجتماعية ودعم الطبقات الأقل حظًا، مثل الفقراء والمعدومين، من خلال سياسات مثل الضرائب التصاعدية، الرعاية الصحية المجانية أو مدعومة، التعليم المجاني، والضمان الاجتماعي، الهدف هو تقليل التفاوتات الاقتصادية مع الحفاظ على نظام ديمقراطي ورأسمالي معدل، دون القضاء على الملكية الخاصة أو السوق الحرة هذا يختلف كليًا عن الشيوعية، هو نوع من العدالة وتسميتها لا ترمز إلى أيديولوجيا كمصطلح يعني الثورية.

إن سقوط الاتحاد السوفيتي في 1991 لم يكن فقط سياسيًا أو اقتصاديًا، بل فكريًا وأخلاقيًا النظام الذي بشّر بمجتمع المساواة انتهى إلى بيروقراطية ميتة، تفتقر للروح والمساءلة الانكسار بدا مفاجئًا، لكنه في الحقيقة كان تراكمًا لعقود من التكلس، وفقدان الإيمان، وانعدام المبادرة الفردية فالنظام الذي لا يسمح بالنقد ينهار بصمت، حتى الصين رغم إعلانها الشيوعية، اعتمدت على الرأسمالية كسلاح للنجاة والنتيجة أن ما تبقّى من الشيوعية اليوم ليس سوى خطاب أيديولوجي بلا تطبيق حقيقي، بينما تحوّل الإنسان من “كائن ثوري" إلى “مستهلك خائف" فشل الشيوعية أنها أرادت حرق الطبيعة والتاريخ البشري؛ ملايين من البشر اعدموا على يد ستالين، والانتساب لهم في واقعنا يفهم بالانفلات من القيم.

الاشتراكية الديمقراطية يحصل الاستبداد فيها هو كجنوح سلطوي رغم تشبهها بالديمقراطية وآلياتها وهذا أحد أسباب كثرة الانقلابات في المناطق المتخلفة التي‏ تديرها ‏الطغاة وليس القانون.

الإنسان ليس ملاكا ولا شيطانا، والمجتمع أفراد ومحو الفرد يعني محو المجتمع الإنسان تركيب معقّد، ومتقلّب، ويحتاج إلى نظام يعترف بكرامة الإنسان ومحمي بقدسية تتناسب وغرائز البشر كما يحميه من وحشية السوق في النهاية، الشيوعية كانت وعدًا جميلاً بحياة أجمل كأدبيات أي حزب لكن التطبيقات كانت قهرا ودماء يفوق انتهاك الرأسمالية لكرامة الإنسان، الشيوعية لم تتمكن في العراق لكنها أحدثت تاريخا دمويا أوضحه في كركوك والموصل بعد محاولة الشوّاف حيث المشانق والجثث في الشوارع بعد سحلها.

 لم تك الشيوعية قابلةً للتنفيذ في واقع الإنسان في مرحلتها التمهيدية أما الاشتراكية الديمقراطية، فهي إن نظر لها في أوربا بطريق توافقية، إلا أنها كانت أداة الاستبداد والطغاة في العالم المتخلف؛ لا ينبغي أن ننسى أن من انطلق من حاجة وضعف التمكين علينا حمايته من التمكين عند تمكنه، وإمكانية سد الحاجة لان الغرائز كحب التملك والسيادة تجعل من اعلى القيم أضغاث أحلام ما لم تك هنالك قوة ضاغطة لا تغفل ولا تنام، والا نحن في منطقتنا رأينا النظم المتضادة وطبقت علينا قوالبها.

الغاية من هذا المقال كاي منهج بحثي التأكيد أن التطبيق هو المهم وليس الأدبيات الجميلة والعدل فالتطبيق هو من يعطي الشرعية بالحفاظ على كينونة الإنسان، والإنسان حر ومحاسب أمام الله فقط عما يعتقد ويفعل ومدى نجاح منظومته العقلية، من اجل هذا علينا إعمال الفكر وليس اتخاذ القوالب.                                  

 


مشاهدات 22
الكاتب محمد صالح البدراني
أضيف 2025/08/17 - 2:48 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 1:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 45 الشهر 12447 الكلي 11407533
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير