الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الاستراتيجية الامريكية في إعادة توظيف الجهاديين السلفيين

بواسطة azzaman

الاستراتيجية الامريكية في إعادة توظيف الجهاديين السلفيين

الأبعاد الاستراتيجية والانعكاسات الأمنية

عماد علوّ الربيعي

 

المقدمة

     شهدت العقود الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين ينخرطون في صراعات لا تنتمي بالضرورة إلى بلدانهم الأصلية. حيث برزت ظاهرة المقاتلين الأجانب كأداة جديدة في الحروب غير التقليدية. لذلك بات  من الضروري فهم الدوافع الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية وراء التحاق الأفراد بالصراعات المسلحة في دول أخرى. وهو ما أثر بشكل واضح على استقرار الدول والمجتمعات وأدّى إلى تعقيد الصراعات الإقليمية والدولية، وزيادة التهديدات الأمنية على المستوى العالمي بالإضافة إلى التحديات القانونية والأمنية التي تفرضها هذه الظاهرة.

     وكان العراق قد شهد منذ عام 2003، بداية تصدير المقاتلين الجهاديين السلفيين الأجانب الى منطقة الشرق الأوسط، حيث تصاعدت موجات دخول الجهاديين الأجانب، مع العائدين الذين اطلق عليهم (الأفغان العرب)، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فأصبحت البلاد أول ساحة مركزية لجذب المقاتلين الجهاديين السلفيين الأجانب، خصوصًا من جنسيات عربية وإسلامية اللذين يرمز لهم بالأفغان العرب. اذ دخل الآلاف من هؤلاء عبر الحدود السورية والأردنية والسعودية، تحت عنوان " مقاومة الاحتلال الأميركي ". وكان من أبرز التنظيمات التي تبنت ادخال المقاتلين السلفيين الأجانب الى العراق تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (بقيادة أبو مصعب الزرقاوي)، الذي كان أبرز المستفيدين من تدفق وتوظيف المقاتلين السلفيين الأجانب، اذ لعبوا دورًا رئيسا" في العمليات الارهابية الانتحارية والحرب الطائفية، التي تبناها تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم داعش الإرهابي بقيادة (أبو بكر البغدادي).

     وكانت نقطة التحوّل الاستراتيجية، مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أصبحت سوريا مركزًا عالميًا لتجمع المقاتلين الأجانب. آلاف المقاتلين قدموا من أوروبا، آسيا الوسطى، شمال إفريقيا، ودول الخليج، وانخرطوا في جماعات مثل: جبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا)، تنظيم داعش (الذي أعلن "الخلافة المزعومة عام 2014)، وقد استخدمت بعض القوى الإقليمية، هؤلاء المقاتلين الأجانب السلفيين الجهاديين (في القاعدة وداعش)، كأداة لفرض توازنات ميدانية ضد النظامين السوري والعراقي، وكذلك ضد بعض الجماعات الكردية. حيث ضمّ تنظيم داعش أكثر من 40 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 80 دولة.  وبعد انهيار تنظيم داعش الارهابي عسكريًا في 2019، أصبحت قضية المقاتلين الجهاديين الأجانب العائدين مصدر قلق عالمي، ولا تزال تمثل تهديدًا أمنيًا طويل المدى، خصوصا" في ذهاب بعض القوى الدولية والإقليمية لاستخدام المقاتلين الأجانب في صراعات جديدة (2022–2025)، حيث ظهرت تقارير عن مقاتلين أجانب شاركوا في الحرب الروسية الأوكرانية من الجانبين، وبعضهم كانوا مقاتلين سابقين في سوريا أو العراق، الا أن المسار الأخطر الذي تبنته الولايات المتحدة الامريكية، كان إعادة توظيف المقاتلين الجهاديين السلفيين في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة.

خطة إعادة توظيف الجهاديين السلفيين

      مهدت الموافقة الامريكية على ضم المقاتلين الاجانب السلفيين الجهاديين الى الجيش السوري الجديد، الى أن تعلن الحكومة السورية عن ضمهم الى تشكيلات الجيش السوري، دون الإعلان بشكل رسمي واضح عن أعدادهم في سوريا، خصوصا" من قاتل منهم تحت لواء (هيئة تحرير الشام) التي قادت معركة إسقاط النظام السابق في دمشق. حيث أعلن وزير الدفاع السوري (مرهف أبو قصرة)، في 17 أيار 2025، مهلة (10) أيام للفصائل العسكرية التي لم تنضّوِي بعد ضمن هيكلية “وزارة الدفاع” الجديدة، فاعلن الحزب الإسلامي التركستاني، المؤلف في غالبية أفراده من (الأويغورUyghurs) الصينيين حل الحزب والانضمام إلى “وزارة الدفاع السورية الجديدة”. هذا التطور في دور مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني (TIP)، على الجغرافية السورية، شجع واشنطن على اعلان ارتياحها لفكرة توطين المقاتلين الجهادين السلفيين الأجانب في سوريا وتحويلهم من مقاتلين عابرين للحدود إلى فصيل عسكري ملتزم بجغرافيا غريبة عنه. فأعلنت الحكومة السورية عن تشكيل الفرقة قوات خاصة (84)، يشكل الأويغور الصينيين (90%) منهم، والباقي من دول آسيا الوسطى والقوقاز وبعض السوريين.. ومن الجدير بالذكر أن خطة ضم المقاتلين السلفيين الأجانب ضمن الفرقة (84)، حظيت بموافقة ومباركة أمريكية بعد تفاهمات بين القيادة السورية الحالية، ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الى سوريا توماس باراك Thomas Barrack. ومن المهم أن نعرف أن الفرقة (84) تضم بالإضافة الى الجهاديين الأويغور، ستضم عدد مهم من الجهاديين من جمهوريات آسيا الوسطى مثل: مقاتلين من تنظيم صالح الدين الشيشاني، وهي المجموعة الأولى المنشقة عن جيش المهاجرين والأنصار( أو كتيبة المهاجرين، هي جماعة جهادية مكونة من مقاتلين عرب نشطت في الحرب الأهلية السورية )، بسبب انضمام أبي عمر الشيشاني إلى تنظيم داعش في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013م. ومقاتلين من تنظيم سيف الله الشيشاني، وهي المجموعة الثالثة المنشقة عن جيش المهاجرين والأنصار. ومقاتلين من تنظيم جند الشام، وهو تنظيم مستقل عن التنظيمات السورية المعارضة الأخرى، ويقوده مراد مارغوشفيلي، وُيعرف أكثر باسمه المستعار مسلم أبو وليد الشيشاني. ومقاتلين من تنظيم أجناد القوقاز الذي يقوده عبد الحكيم الشيشاني، وينشط بشكل أساسي في ريف اللاذقية الشمالي. ومقاتلي جماعة الإمام البخاري التي وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنّها "أكبر قوة قتالية أوزبكية في سوريا". ومقاتلي كتيبة التوحيد والجهاد، الأوزبكية. بالإضافة الى مقاتلين من جماعات صغيرة ترابط في اللاذقية، وهي: "جماعة الخلافة" بقيادة عبد الحليم الشيشاني، و"جماعة ترخان" ترخان غازييف، وجماعة "أنصار الشام" بقيادة أبي موسى الشيشاني. بالإضافة الى كتيبة (الغرباء)، التركستانية، التي يتراوح أعداد مقاتليها بين 300 و400 مقاتل مهاجر من الأويغور، والطاجيك، والأوزبك، ومقاتلين من جنسيات عربية، بقيادة أبو عبد الرحمن التركستاني، التي تأسست عام 2017، كذلك كتيبة القوات الخاصة (العصائب الحمراء)، التي تضم منذ تأسيسها في عام 2018، مقاتلين مهاجرين متخصصين ومدربين تدريبًا عسكريًا من الجنسية الايغورية.

 

المهمة والارتباط

   يمكن تلخيص مهمة فرقة المقاتلين السلفيين الأجانب ضمن المؤسسة العسكرية السورية الجديدة كما ألمح اليها توم براك Barrack Thomas، المبعوث الأميركي إلى سوريا وسفير واشنطن في أنقرة، بعدم السماح بعودة المقاتلين الأجانب الى بلدانهم بل ابقائهم في سوريا ودمجهم بالجيش السوري الجديد، في اطار استراتيجية، ترمي إلى تحقيق الأهداف التالية: -

التصدي للنفوذ الصيني المتصاعد في منطقة الشرق الاوسط.

تقليص واضعاف الوجود العسكري الروسي في قاعدتي طرطوس البحرية، وحميميم الجوية.

إعادة تنظيم الوجود العسكري الأميركي والتركي في الجغرافية السورية.

التمهيد لانضمام سوريا الى مسار التطبيع مع " إسرائيل ".

     ومن الجدير بالذكر أن تحقيق الأهداف تزامن معه إعادة تموضع ربع القوات الأميركية من شرق الفرات، الى قواعد داخل العراق، مع التأكيد على الإبقاء على (قاعدة التنف)، قرب المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري، مع عقد تفاهمات حول تموضع القوات التركية بما لا تشكل تهديد للأمن الإسرائيلي.

     أما ارتباط الفرقة الخاصة بالمقاتلين الأجانب أي فق (84)، فسيكون برئاسة الجمهورية من ناحية الحركات، وبوزارة الدفاع الجديدة من ناحية الإدارة، على أن يكون تعدادها (20 -30) ألف مقاتل، ومقرها الرئيس (الكلية البحرية)، في محافظة “اللاذقية”، وتتألف من (6) ألوية عسكرية متخصصة هي: لواء مدرعات ولواءين قتال جبلي ولواء مداهمة ولواء مدفعية، إضافة إلى لواء “حرب شوارع”، على أن يكون انتشارها حاليا" في شمال غربي سوريا وبالذات في محافظتي اللاذقية وطرطوس، أي في منطقة الساحل ذات الأغلبية العلوية، مما يضع علامات استفهام عن الأهداف الكامنة وراء نشر الفرقة (84)، في هذه المنطقة.

الخاتمة

    من خلال متابعة التصريحات والمواقف الصادرة عن الإدارة الامريكية المتزامنة مع إعادة تموضع القوات الامريكية في سوريا والعراق، ورفع العقوبات، المفروضة على سوريا، وما بدا واضحا من خلال تصريحات ترامب ولقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، يمكننا فهم التحول الأميركي في ادراك البعد الجيوسياسي لموازين صراع أوسع بين القوى الكبرى، خصوصا" الصين وروسيا، فان  إعادة توظيف المقاتلين الجهاديين السلفيين الأجانب ضمن المؤسسة العسكرية السورية الجديدة يأتي في سياق التشكّلات الجيوسياسية المعاصرة للشرق الأوسط ، باعتباره ضرورة استراتيجية لتحولات أعمق في بنية النظام الإقليمي وموازين القوى في منطقة الشرق الاوسط. من هنا يمكننا مناقشة وفهم السيناريوهات التي من اجلها شجعت واشنطن ودول الاتحاد الأوربي على دمج المقاتلين السلفيين الجهاديين الأجانب في الجيش السوري الجديد، بعد أن أثار استمرار وجود هؤلاء المقاتلين الجهاديين الأجانب في سوريا واحتمال اندماجهم في الجيش السوري الجديد، مخاوف محلية ودولية من احتمال تشكيلهم تهديدًا مستقبليًا للاستقرار الوطني والإقليمي. حيث يُنظر إلى هذه الخطوة، على أنها خطوة سياسية براغماتية، ولكنها تثير قلق الكثيرين في المجتمع السوري، فضلا" عن كونها أثارت موجةً من ردود الفعل، تراوحت بين تأييد حذر في العواصم الغربية، ورأتها معظم العواصم العربية والإقليمية، بأنها مأسسةً للتطرف تحت ستار بناء الدولة.

خبير وباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية


مشاهدات 85
الكاتب عماد علوّ الربيعي
أضيف 2025/08/17 - 2:37 PM
آخر تحديث 2025/08/20 - 4:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 353 الشهر 14272 الكلي 11409358
الوقت الآن
الأربعاء 2025/8/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير