نزع السلاح بين هاجس الدولة وذاكرة الخطر
حسين نعمة الكرعاوي
في العراق، لا تُطرَح مسألة نزع السلاح بوصفها نقاشًا أمنيًا تقنيًا، بل كإحدى أكثر القضايا التصاقًا بسؤال السيادة والقدرة على البقاء، فالسلاح هنا لم يولد من فراغ، ولم يكن ترفًا سياسيًا، بل نتاج فراغات بنيوية، وتهديدات وجودية، وتجارب قاسية أثبتت أن الدولة حين تضعف، يتقدّم الخطر بلا استئذان، ومن هذا المنطلق، تبرز المقارنة مع لبنان لا بوصفها تحذيرًا تقليديًا من الانقسام، بل باعتبار أن سلاح المقاومة هناك لعب دورًا حاسمًا في محطات مصيرية، أبرزها عام 2006، حين فُرض توازن ردع حمى الدولة والمجتمع من الانهيار، كما حمى سلاح المقاومة العراق في 2014 عندما كانت المؤسسات الرسمية عاجزة عن صد أخطر تهديد عرفته البلاد. ينقسم الخطاب العراقي اليوم بين من يرى أن استمرار السلاح بات عائقًا أمام بناء الدولة والتنمية، ومن يعتبر أن الدعوة إلى نزعه في ظل سيادة منقوصة أقرب إلى مقامرة سياسية، الفريق الأول ينطلق من منطق أن الاستقرار الاقتصادي، وجذب الاستثمار، وبناء دولة المؤسسات، يتطلب بيئة خالية من تعدد مصادر القوة، ويعتقد أن السلاح يجب أن يطوى لصالح السياسة والقانون، في المقابل، يرى الفريق الآخر أن هذا الطرح يتجاهل واقع الوجود العسكري الأميركي والتركي، واستمرار الخروقات، وغياب ضمانات حقيقية تمنع تكرار سيناريوهات الانهيار، محذرًا من أن نزع السلاح قبل اكتمال الدولة قد يفتح الباب أمام فراغ أخطر من الفوضى نفسها. بقراءة محايدة، المشهد يفضي إلى أن جوهر الإشكال لا يكمن في السلاح بحد ذاته، بل في غياب السيادة المكتملة، فالسلاح كان، في لحظات فاصلة، عامل حماية لا تفكيك، وملاذًا حين غابت الدولة أو تراجعت، غير أن بقاءه لا يمكن أن يكون هدفًا دائمًا، بل حالة اضطرارية مرتبطة بمرحلة انتقالية، الأمل الحقيقي أن يمتلك العراق دولة ذات سيادة كاملة، قادرة على حماية حدودها وقرارها، بحيث يصبح السلاح خيارًا غير مطلوب، وتتحول طاقة البلاد من الدفاع الوجودي إلى التنمية والبناء، لا تحت ضغط الخطر، بل بثقة الدولة بنفسها.