الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أسطر من مسيرة الحياة

بواسطة azzaman

أسطر من مسيرة الحياة

بيوس قاشا

 

إننا نحيا في زمن لا نعرف فيه إلى أين تتجه بوصلة مسيرته وأين سيستقر مستقبلنا كما مستقبل أجيالنا؟ كما نحن في عالم مخيف حيث يغدو الإنسان - وإن كنّا من طينة واحدة - أكثر شراسة في كراهيته لأخيه الإنسان إذ لا يرى فيه إلا عدواً ومنافساً، وحيث الزمن غدّار وأيامه قاسية ونهاراته متعبة ولياليه مخيفة، فيه نحسب عدد سنينا وأيامنا بسبب عبودية المصالح الكبريائية والمحسوبية الطائفية والإنفرادية المليئة بفيتامين الأنانية البائسة الرابضة في الضمائر المشتراة في مجتمعنا حيث يُقدَّس الفاسدون، ويُبجَّل شهود الزور والمنافقون من أجل مصالح مغشوشة لمنافع دنيوية زائلة.

منعطف خطير

نعم، يمرّ بلدنا اليوم بأخطر منعطف في تاريخه الحديث، وربما سيدخل نفقاً مظلماً لا يعلم ساعة خلاصه إلا سبحانه تعالى (وهذا مالا نتمناه). وما نراه اليوم، فإننا نرى بلدنا يعيش مرحلة عاصفة إختلطت فيها السياسة بالدين، والحق بالباطل، والصواب بالخطأ، والمصالح بالفساد، عبر حملات إعلامية غايتها تشويشنا جميعاً وزيادة انقسامات بعضنا على بعض وبعضنا مع بعض، وصار الكل ضد الكل والكل ضد البعض، وكما يقول المثل “اختلط الحابل بالنابل”، فبيعت الحقيقة لمصلحة الأغلبية والأقوياء وحياة السماء بركعات معدودة وسجدات محسوبة وبرسائل كاذبة وصمت مشبوه، وغرقنا في فوضى عارمة لا يستفيد منها إلا أصحاب المخططات وذوي الروح العدائية ليس إلا!.

فلك نوح

ما أدركه، معترفاً بحقيقة المسيرة، إن اختلافاتنا في مواقعنا المسيحية ربما يعود إلى أننا قد أضعنا بوصلة حقيقة إيماننا وهدف إنسانيتنا وكلمات إنجيلنا في المسيح الحي، فأصبحنا نُسيّر رسالتَنا كما نشاء ومتى ما نشاء وحسب ما نشاء، أصبحنا نؤلّه أنفسنا ونقول للسماء نحن آلهة الزمن، وهذا ما جعلنا نستعبد فقراءَنا وصامتي زماننا، ونبيع أنفسنا لكبار دنيانا ومصالحهم، وأصبحنا وكلاء لأناس رسموا مخططاتهم فوق رؤوسنا، وعبر شخوصنا الضعيفة ينفّذون غاياتهم ويملأون بطوننا بخبز الدنيا وبكلام الطاعة والخضوع، وإذا ما فشلوا فيُظهرون ذلك عبر إنساننا الضعيف، فيقرّروا رمينا خارجاً بعقوبة يَهْوَوْنها مدّعين إننا لا نصلح لأية مسيرة، فنقوم ببيع أرضنا وإنْ خفية لأننا أصبحنا نخاف حتى من ظلّهم كما من ظلّنا ومن سبب وجودنا. فبذلك تزول روح الأخوّة وتُفسد حقيقة الصلاة ولا مجال لساعة الغفران، وكبار الزمن لا يُدركون خطاياهم، وإذا ما أدركوها لا يقرّوا بحقيقتهم وإنما يقدّسون مناصبهم ومكانتهم من أجل نجاح مصالحهم ومبتغاهم، وهذا ما يفسر أننا أهملنا إنجيلنا وجعلناه كتاباً لا يقرأه ولا يتعلم منه إلا “صاعدو فُلْكَ نوح” (تكوين 14:6)، والويل لمن يتجاهل صوت السماء... ليس إلا!.

     البابا فرنسيس

نعم، المرحلة الحالية تحمل لنا تحديات خطيرة بل خطيرة جداً، فوجودنا في إمتحانٍ قاسٍ، ودورنا لم يعد له مكان في الدستور والقانون والتجمّع إلا في المجال الإجتماعي الإحترامي، وهذا يدعونا إلى أن ندرك جيداً أنه إذا ضاع شرقنا أو مات حبه في قلوبنا ستموت مسيحيتنا في علامة شرقنا. فالبابا فرنسيس يقول:”إذا افتقر الشرق الأوسط من المسيحيين لن يصبح شرقاً أوسطاً” (لقاء باري للصلاة العالمية بحضور كل رؤساء الكنائس الشرقية؛ السبت 7/7/2018). فالويل لنا إذا أضعنا أرضنا لأننا مسؤولون - شهادة للتاريخ - أن نقف في وجه كل مَن يريد أن يشوّه مسيرة أصالتنا وينظر إلينا مستهزئاً بانقساماتنا وطائفيتنا وقوميتنا من أجل المصالح المزيفة والكراسي الزائلة. وكي لا نكون في خانة المهمَلين علينا أن نكون صدّاً منيعاً أمام ما يحصل.

فالمستقبل لا يُبنى في ظل انقساماتنا وإنما في حقيقة وحدتنا ووحدة كلمتنا ومسيرة تواضعنا، فإيماننا نابع من المسيح الحي، ورجاؤنا في كلماته وليس في أشخاص زائلين، ومار بولس يقول في هذا الصدد:”إنْ كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدى هذه الحياة، فإننا أشقى جميع الناس” (1كورنتس 19:15).

حقيقة وجودنا

هل كُتب لنا أن تكون أوقاتنا مصيرية في ثقل صليبنا أم ذلك امتحان من رب السماء كي ندرك عظمة كبريائنا وثقل خطيئتنا في مصالحنا وأنانيتنا، فنتوب ونطهّر أنفسنا من كل شائبة متأصلة في عمق تفكيرنا وحدقة عيوننا فنقلع عنها كي لا تعيق مسيرتنا وحبنا لصليبنا؟. فمسيرة حياتنا على المحكّ، فإمّا أن نبقى نشهد لحقيقة وجودنا وحبنا لترابنا وإيماننا بإنجيلنا وحملنا لصليبنا، وإمّا أن نبيع حقيقتنا وعند ذلك نكتب بدء زوالنا عبر ثقافة بائسة فنكون لها ولهم عبيداً، فنشوّه مسيرة إيماننا وتضيع الحقيقة ويسود الكلام المعسول والمجاملات البائسة... ليس إلا!.

لوحة قاتمة

صحيح إن تاريخ مسيحيتنا مجبول بالإضطهاد وملئ بألعوبة الحياة والعيش، وإن كان هناك فترات نقول عنها مريحة في بعض الأحيان ولكن عامةً لا زال الإضطهاد والسياسة تغدر بنا وتجعلنا مشاريع لمصالحها، وهذا ما يدفعنا إلى أن نقول: لم يعد لنا بعد خبزة في هذا البلد فننشد: ها هو شرقنا يطردنا والأرض تلفظنا والسياسة تكتب لنا الرحيل فنرحل إلى أرضٍ تنصفنا، والسبب كبار دنيانا وزماننا، وهمّهم حقائق مزيفة ومصالح أبدية، ورؤساء المناسك لا ينظرون إلاّ إلى طوائفهم وكراسيهم وقيامهم وجلوسهم، والإعلام البائس يرسم لنا لوحة قاتمة لمستقبل أجيالنا. فيا لها من محنة لا توصَف بقساوتها ولا تُرسم حقيقتُها إلا عبر فسادها، فهواء الزمن قد أتعبنا ومفسّرو الحقيقة المزيّفة سرقوا حقيقة الحياة وأصبحنا راحلين وإنْ كنا بعدُ من هواء شرقنا نتنفس... ليس إلا!.

الخاتمة

أرجو، طالباً سماحكم، أقول مناشداً كبار دنيانا ورؤساء مناطقنا وأبناء وطننا وشرقنا: كفانا تشتّتاً وانقساماً، كفانا كلاماً وصراخاً وربما بكاءً، كفانا رحيلاً وضياعاً، كفانا طائفيةً وأنانيةً، كفانا حبّ ذواتنا ومصالحنا، كفانا استعطاءً فنحن أغنياء الزمن كما الدنيا، وكفانا إستفقاراً وملء خزائننا فالحياة جميلة بعطائها وليس بكبريائها ومناصبها وطائفيتها. ولنعلم أنّ الوطن أرضنا والشرق شرقنا، وهو ذهبُنا ومالُنا وحامي عيالنا وزينة دنيانا، وما علينا إلا أن نحيى حقيقته عبر حبّنا له وليس عبر شفاهنا وبياناتنا واحتراماتنا المجاملاتية، فالرب أوصانا وصية واحدة ولا أكثر إذ قال:”وصيتي لكم: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم” (يوحنا 12:15). فالمحبة اليوم (وللأسف) ما هي إلا للأقوى ولأمير الزمن، ولرئيس الحارة والمحلّة، والباسط سلطته على الأبرياء المساكين من أجل صداقة زائفة ومجاملات بائسة ومصالح معروفة، وننسى أنّ كل شي زائل إلاّ الحقيقة التي يكتبها أبرياء التاريخ ورجال الشهادة، فإنْ عشنا حبَّ أرضنا وحبَّ بعضنا، عشنا حقيقة وجودنا وأدركنا أننا تاريخ كتبنا أَسطره بدماءٍ ودموع، فحقيقة وجودنا شاهدة لمسيرتنا. فلنملأ خطوات مسيرتنا بحقيقة الحبّ والشهادة بالمسيح يسوع الحي، فهو الذي قال:”أنا الطريق والحق والحياة” (يوحنا 6:14)، فما الحياة إلا نعمة من السماء وما علينا إلا أن نكون أمناء للنعمة وأوفياء للسماء... نعم وآمين.

مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 

 


مشاهدات 71
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/08/11 - 2:54 PM
آخر تحديث 2025/08/12 - 8:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 298 الشهر 8531 الكلي 11403617
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير