الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صلاح زنگنه: حفّار المجاز ورجل الأسئلة المتمردة

بواسطة azzaman

صلاح زنگنه: حفّار المجاز ورجل الأسئلة المتمردة

محمد رسن

 

صلاح زنگنه قاص مغاير، يمشي في الدروب التي لم تطأها أقدام السرد قبله، حافراً مجراه الخاص في صخور الأدب الصلدة، يكتب وكأنه يفتح كُوًى في الجدران المكتومة الأنفاس، يوقظ الأسئلة من سباتها، ويزرع الشك في يقين النصوص، في قصصه تصطخب الحياة بكل تناقضاتها، ويصير الحرف عنده أداة مقاومة، وسلاحاً للفضح والتعرية، وكأنما يكتب ليحرر العالم من رتابته وزيفه. وهو أيضاً ناقدٌ يفتح مغاليق النصوص وينقب في طبقات المعنى. وشاعرٌ بليغ ينحت مفرداته بإزميل الدهشة، إنه يشعل اللغة كما تُشعل النار في الهشيم فتضيء عتمة الأفكار، في حضرته تغدو الكتابة طقساً من طقوس الكشف والبوح، لا مجرد حروفٍ تُسكب على الورق، وكأن صوته يهبّ من مسافات بعيدة، عابقاً برائحة الأسئلة الكبرى، ومحمّلاً بغبار الحقيقة،

يكتب ليهزَّ المسلّمات ويقلب الموازين، مؤمناً أن الأدب لا يُخلق إلا من رحم المجازفة،

إنه كاتب لا يرضى للأدب أن يكون ظلاً أو تكراراً بل يريده اقتحاماً لأفق مجهول، يكتب ليكشف المستور، ويزلزل ثوابت اللغة والفكر، تراه يحمل قلق المبدع وشغف المكتشف، ويغوص في طبقات المعنى دون خوف،

في حضرته، يغدو الكلام رحلة نحو أسئلة لا تنطفئ، وفضاءً مشرعاً على احتمالات لا تنتهي.

ولرغبتي في سبر أغوار هذه الظاهرة الأدبية المغايرة، ارتأيت محاورته لأستنطق بصيرته، فجاء هذا الحوار.

س1 / أيهما تخشاه أكثر: أن تُحاصَر نصوصك بأسلاك الرقابة، أم أن تُحتضَن حتى تختنق داخل أقفاص المديح؟

ج / من طبعي أني لا أخشى من شيء, حتى الرقابة الفولاذية في زمن النظام البائد لم تستطع محاصرة نصوصي أو حجبها, كنت أتحايل عليها عبر الفن وجماليته ورصانته, أما المديح فلا شأن لي به لا من قريب ولا من بعيد, المديح بصيغته الدونية نفاق مبطن ومدجن.  

س2/ لو خُيّرت أن تكتب نصًا واحدًا أخيرًا يُحرِّر العالم من كذبة كبرى، عن أي كذبة ستكتب؟

ج / ليس من شأن الأدب الكتابة عن الأكاذيب الكبرى والصغرى, بل هو شأن الساسة والطغاة, الأدب يرمم انكسارات الحياة ويشيد عالما من الحب والجمال والبحبوحة الروحية التي  تمنحنا السلام. 

س3/ هل الكتابة عندك شغبٌ على اللغة، أم انتقامٌ من الصمت؟

ج / اللغة أداة, وسيلة, وعاء للأفكار والرؤى, والكتابة نوع من الصراخ, صراخ صامت ضد صمت العالم, مهمة الكاتب اختراق الصمت الذي يحيط به, وأعني الظلم والقهر والطغيان والاستلاب والهراء, ما من كتابة صادقة ما لم يمسه القلق الوجودي الذي يثير الأسئلة القلقة.   

س4/ هل القصة عندك محاولة لإعادة تركيب العالم، أم لتفكيكه وكشف هشاشته؟ وهل تُكتب القصة لتقول ما لا يُقال، أم لتفضح الصمت الذي يختبئ خلف الكلام؟

ج5 / هي محاولة تفكيك وتركيب معا, العالم من حولنا يجري ويمور ويفور, لذا علينا الإمساك باللحظات الهاربة, تلك اللحظات التي لها وقع خاص في حياتنا من أمل وألم وحزن وشغف, أجل شخصيا أحاول قول ما لا يقال عبر التحرش بالتابوات والمحرمات والقناعات الجاهزة البليدة, والقول عادة ينتهك حرمة الصمت البليد.    

س6/ هل القصة ـ عندك ـ كائن حيٌّ يُمكنك خنقه حتى تَصرخ، أم قبرٌ تُدفن فيه الحقيقة على هيئة رموز؟ وهل تكتب لتوقظ القارئ أم لتُربكه حدّ الجنون؟

ج/ شخوصي في القصة التي أكتبها كائنات حية تنبض بالحياة, أحينا تكون وديعة مسالمة وأحيانا أخرى تكون غاضبة وشرسة ومشاكسة, مهمة الكاتب الحقيقي أن يوقظ القارئ ويربكه ويقلقه أيضا. 

س7/ لو كانت القصيدة كائناً خرافياً، فهل ستكون ذئباً ينهش المعنى، أم مرآةً مشروخة يرى القارئ فيها وجهه وقد تحوّل الة كذبة؟

ج / القصيدة كائن جمالي تمنحنا التأمل والدهشة, وهي تصنع المعنى عبر الانزياح اللغوي, القصيدة صياغة بارعة لجماليات الحياة ورونقها ومرارتها وحلاوتها, وهي تلك الشمس الساطعة بعد ليل بارد طويل, والشاعر ليس ذئبا بل أرنب أليف يلهو في رياض المعنى. 

س8/ لمقالاتك الدينية التنويرية التي انتصرت لدين الرهافة، بالغ الأثر، هل سنشهد مشروع تنويري متكامل في قادم الايام.

أظنك تعني كتابي (تجليات الاسلام وثقافة العوام) الذي عرضته على بعض دور النشر واعتذرت كونه كتابا نقديا واخزا , يفكك الكثير من المفاهيم الدينية البالية ويعترض على العقل الخرافي المستلب ويشخص الثغرات الفكرية المتراكمة عبر قرون, سأعمل جاهدا على طبعه مستقبلا.

س9/ هل تعتبر الكتابة الإيروتيكية عندك نوعاً من الاعتراف، أم سلاحاً لفضح الرياء الاجتماعي؟ 

ج / الاثنان معا, اعتراف بقوة الارادة وقوة الذات وقوة البوح, وهذه القوة تفضح الرياء الاجتماعي المقنع, وسبق وأن قلت في حوار سابق (وجدت في انثيالاتي الايروسية, فسحة واسعة للانطلاق الى براري الحب والجمال, والتغني بلذائذ الجسد, وتلمس متع الحياة والانغماس في العشق الايروسي, وتبجيل الأنثى كونها مانحة حياة وصانعة كينونة وباذخة جمال).

س10 / أيهما أشد إيلاماً لك ككاتب: أن يُتّهم نصك بالفجور، أم أن يُتهم بالتكلّف؟

ج / الكاتب المتكلف كاتب فاشل وعاجز, الكثير من نصوصي (الإيروتيكية) الشعرية حصرا تتهم بالفجور والخلاعة, لكنها أكثر عفة ورقة وشفافية من آلاف القصائد العصماء البكماء الرنانة الطنانة التي تتوسل البلاغة الكاذبة والزخرفة اللغوية البليدة البلهاء.

س11/ هل لا يزال الجسد مساحة غامضة تثير فضولك ككاتب، أم اكتشفت كل خرائطه؟

أجل .. مساحة غامضة جدا, وعصية جدا, وجاذبة جدا, ومخيفة جدا, وممتعة جدا, جسد المرأة هذا التابو الكبير, المحرم الممنوع الخطر لا يقربه أحد إلا وتصب عليه اللعنات, وقصائد عارية لحسين مردان مثال واضح وجلي على عنفية العقل الجمعي الغارق في الجهل والتخلف والعماء الفكري والمعرفي لقطيع واسع  من المجتمع.

شخصيا جازفت وكتبت عشرات القصائد التي تحاكي الجسد وتناغيه وتتبارك بأفيائه عبر مجموعتين هما (هذا الولد مولع بالنساء) و(سأدل العصافير عليك)

س12/ هل سماح قصيدة، أم سبب كل قصائدك؟

ج / سماح قصيدة القصائد, هي القصيدة التي أكتبها كل يوم ثم أعود فأكتبها ثانية وثالثة وعاشرة ولم تكتمل, سماح أنثى جامحة وعاشقة باذخة تمدني بنسغ الحياة, هي المرأة التي تناغي العصافير والفراشات والأزهار بعذوبتها, صادقة في بوحها, عفوية في أحاسيسها, ولهذا كله أعتبرها ايقونة حياتي, وحياتي من دونها صحراء قاحلة, وليل طويل بلا نجوم ولا قمر ولا دليل ولا خل ولا خليل.

 

 

 

 


مشاهدات 500
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/07/19 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/08/15 - 7:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 71 الشهر 11015 الكلي 11406101
الوقت الآن
السبت 2025/8/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير