الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التهجير بالنزوح..  جيل ضائع أم فرصة لإحياء الأرض؟

بواسطة azzaman

التهجير بالنزوح..  جيل ضائع أم فرصة لإحياء الأرض؟

 

محمد صالح البدراني

 

لا اكتب إنشاء بل هي حشرجة آدمية تحتضر بين أناس لا تبالي بمأساة تتفاقم بصمت كما السرطان وبين أناس لا تفهم أن الوهم الذي تعيش فيه ليس حياتها ولا البيئة بيئتها والكل غير مهتم بكارثة السقوط الذي يحصل للبلد فلا شيء أكثر قسوة على الإنسان من أن يُنتزع من أرضه أدرك هذا ذاك الإنسان أم لم يدرك. عندما يكون واعيا ذاك أن الأرض ليست ترابًا فحسب، بل ذاكرة وهوية، تاريخ وعلاقات متجذرة. ومع ذلك، فإن المهجرين والنازحين في منطقتنا أصبحوا يعيشون منذ سنوات – بل عقود – في حالة خدر وتكيف سلبي تحوّل إلى قطيعة أجيال عن بيئتها الأصلية، مخلفًا آثارًا اجتماعية واقتصادية مدمرة، أفرغت بعض القرى والأرياف من سكانها وشرخت النسيج.

أمامنا سؤال وجودي: هل سنعيد الناس إلى أرضهم لننقذ الأجيال القادمة، أم سنترك النزوح الطويل الأمد يخلق واقعًا دائمًا من الضياع؟ وإنشاء مشاريع تخلف وجريمة وتداعيات الأرض المفقودة والإنسان الغريب؛ اذكر عندما كنا نخرج للاستطلاع أو متابعة أعمال الطرق والمساحة أو مشاهدة التكوينات الجيولوجية، كنا نمر من القرى وعلى مدخل القرية يوقفنا ناس شيخ أو شاب واحيانا طفل في العاشرة أو الثانية عشر ومعه أطفال اقل سنا، وكلهم بصوت واحد( هلا بالضيف، حدّر عندنا) وبلجة قروية هي ذاتها التي تواجهك على الأرصفة والشوارع وبين البيوت اليوم تقول لك (حسنة، مساعدة) وأساليب من الكدية مما لا يخطر على بال في تقاطعات الطرق والإشارة الضوئية، والتي عندها تتعدد اللهجات قسم من الأطراف وقسم من الداخل، ونوع آخر محترف الكدية.

حين يُقتلع الفلاح من قريته ويُلقى في أطراف المدن أو في مخيمات النزوح، يفقد الكثير أجيال وُلدت ونشأت بعيدًا عن موطن الآباء والأجداد لم تعرف الزراعة ولا الحرف التقليدية، ولم تعش تكافل المجتمعات الريفية في المدن، واجهوا البطالة والتهميش الاجتماعي، وفي المخيمات عاشوا على المساعدات، بلا أفق ولا جذور.  والنتيجة؟ جيل جديد غريب عن الأرض التي ينتمي إليها بالاسم فقط، جيل مهدد بفقدان الهوية والقدرة على إعادة بناء مجتمعه الأصلي ناهيك عن الأمراض القيمية والمجتمعية وتدهور الآدمية.النزوح الطويل الذي انشغل عنه الساسة بالأنانية وتمشية أمورهم كارثة صامتة النزوح الذي استمر سنوات طويلة تجاوز كونه أزمة إنسانية طارئة، ليصبح تهديدًا استراتيجيًا إفراغ الأرياف من سكانها، ما يترك الأراضي الزراعية بورًا ويضعف الأمن الغذائي توسع العشوائيات في المدن، مع ما يرافقها من بطالة، جريمة، وضغوط على الخدمات. أجيال بلا انتماء، ممزقة بين هوية لم تعشها وواقع مديني طارد.  هذا الوضع لا يمكن قبوله كأمر واقع؛ ترك الناس في حال التهجير سنوات إضافية يعني القبول بضياع أجيال كاملة وفقدان فرصة إعادة بناء الريف والحفاظ على التوازن المجتمعي.

  كيف نعيد الناس إلى أرضهم؟

إعادة النازحين ليست مجرد إعادتهم إلى بيوت مهدمة، بل مشروع لإحياء الإنسان والأرض معًا: إعادة الإعمار أولًا إصلاح البنية التحتية للماء، كهرباء، مدارس، وتعبيد الطرق التي تربط القرى بالمدن القريبة لتسهيل التسويق والخدمات فلا عودة بلا ضمان حياة كريمة.

مشاريع اقتصادية تربط الإنسان بالأرض دعم الزراعة، تأسيس تعاونيات، وإطلاق مشاريع إنتاجية صغيرة كالدواجن وما يتبعها ومثلها من معامل وتسويق تحفز العائلات على العودة والاستقرار؛ لكن ضمان بقائهم واستقرارهم يتطلب خطة شاملة للتنمية الريفية تجعل الحياة فيها ممكنة وجاذبة، بدلاً من دفعهم مجددًا للهجرة نحو المدن التنمية الريفية هي استثمار استراتيجي يعيد للأرياف نبضها الاقتصادي والاجتماعي، ويضمن مساهمة سكانها في الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.

  تحفيز الاقتصاد المحلي تقديم قروض صغيرة للفلاحين والحرفيين، إنشاء تعاونيات زراعية وصناعية، ودعم الصناعات المرتبطة بالمنتجات المحلية مثل الألبان، الحبوب، والخضروات.

 برامج تعليم وتدريب تدريب الشباب والنساء على مهارات حديثة في الزراعة المستدامة، الإدارة، وريادة الأعمال لخلق فرص عمل محلية.

  دعم اجتماعي وثقافي تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال مجالس قروية، ومبادرات تعيد بناء الثقة بين السكان بعد فترات النزاع؛ برامج اجتماعية وثقافية إعادة اللحمة المجتمعية عبر مبادرات مصالحة محلية، وبرامج تعليمية للأطفال والشباب تعيدهم للارتباط بهويتهم القروية

تمكين النساء والشباب إشراكهم في قيادة مشاريع العودة والتنمية سيمنع نزوحًا جديدًا، ويكتب قصص نجاح محلية

رسالة إلى السياسيين:

لا تؤجلوا العودة للناس بالمجاملة واحترام الخطوط، النزوح ليس قدرًا، والنازحون ليسوا أرقامًا في تقارير المنظمات، كل يوم إضافي يقضيه النازحون بعيدًا عن أرضهم يكرس واقعًا من الضياع وفقدان الهوية.  سكن المدينة ليس من المميزات والعودة ليست فقط استجابة إنسانية، بل استثمار في استقرار الوطن وأمنه الغذائي والاجتماعي. المطلوب اليوم: خطة وطنية لإعادة الإعمار والتنمية الريفية بدلاً من الاعتماد على المعونات الطارئة موازنات مستدامة لتمويل مشاريع العودة وإعادة التوطين. شراكات ذكية مع المنظمات الدولية لتنفيذ برامج إعادة الاستقرار، لا لإدارة الإغاثة التي تلاشت أو تكاد، بل بعضها لم تك أصلا إلا أن يمدح العلانيون بما لم يفعلوا. إعادة الناس إلى سكنهم هو الضمانة الوحيدة لوقف دوامة الفوضى، والحفاظ على مجتمعات متماسكة، وأجيال تعرف من أين جاءت وإلى أين تنتمي. إن الموضوع جاد والدولة عليها واجب منسي وتمليك العشوائيات ليست حلا لأنه يقضي على المدينة وتخطيطها والمساحات الخضراء الضرورية للعيش، بدل هذا نقل التمدن إلى القرى والرفاهية بأفضل صورة مما لا يجعله يرى في المدينة ما يبرر الكسل وفقدان الاهتمام.

 


مشاهدات 287
الكاتب محمد صالح البدراني
أضيف 2025/07/13 - 2:45 PM
آخر تحديث 2025/07/15 - 5:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 518 الشهر 9520 الكلي 11163132
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير