بين أردوغان وأوجلان.. إتفاق تاريخي أم مغامرة سياسية؟
أحمد فاتح محمد
بعد أكثر من أربعة عقود من العمل المسلح، أعلن حزب العمال الكردستاني في أيار/مايو 2025 قراره بالتخلي عن الكفاح المسلح، في خطوة مفصلية ومصيرية في تاريخ الحزب ومسيرته السياسية
هذا التحوّل الكبير جاء بعد رسالة وجّهها زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، من داخل محبسه إلى قيادة الحزب ومؤسساته وهيئاته وقواعده الجماهيرية
تحمل هذه الدعوة التي أطلقها أوجلان دلالات ومؤشرات سياسية وأمنية عميقة داخل تركيا، كما تنعكس آثارها على المستوى الإقليمي لا سيما في العراق وإيران، وهما دولتان ترتبطان بعلاقات استراتيجية مع تركيا، كما أن لحزب العمال الكردستاني وجوداً مسلحاً وتنظيمياً مؤثراً في أراضيهما.
قراءات من الداخل التركي
يُنظَر إلى خطوة حزب العمال الكردستاني الأخيرة من قِبل القوميين الأتراك على أنها انتصار لاستراتيجية الدولة، بعد أكثر من أربعة عقود خاضت فيها أنقرة حرباً طاحنة بكل ما أوتيت من وسائل، ضد الحزب والتنظيمات الكردية المقربة منه.
في المقابل، تتعالى داخل تركيا أصوات اخرى داعية إلى السلام والتعايش المجتمعي، وتُقيّم هذه الخطوة بوصفها تصرفاً عقلانياً قد يُمهّد لتحول أعمق قادم. أما مراكز التفكير الاستراتيجي في تركيا فلم تغفل عاصفة التغييرات الاقليمية التي هبَّت على الشرق الأوسط لاسيما بعد فرار الأسد، ومقتل كبار قادة حزب الله وأخيراً الحرب الاسرائيلية الإيرانية التي عُرفت في المعاجم السياسية بحرب الإثني عشر يوماً.
استراتيجية أردوغان
يتعامل أردوغان مع عملية السلام هذه بمنهج براغماتي بحت، فرغم أنه لم يُبدِ حتى الآن إستعداداً للتخلّي عن وصف حزب العمال الكردستاني بـ»التنظيم الإرهابي»، إلا أنه يسعى في الوقت ذاته إلى ترك إرث سياسي كبير، داخلياً وخارجياً.
على المستوى الداخلي، يريد أن يُظهر أن بمظهر الزعيم الذي حُلّت القضية الكردية عهده، وأن يُخفف من الأعباء الاقتصادية والأمنية الثقيلة التي سببتها الحرب مع الحزب، وهو ما قد يمهّد لاستثمار الثروات الطبيعية والبنى التحتية في المناطق الكردية، ويخلق بيئة تنموية مستقرة.
ومن جانب آخر، يأمل في كسب دعم «دام بارتي-حزب المساواة وديمقراطية الشعوب» تمهيداً لتعديل الدستور، بما يتيح تمديد فترة رئاسته.
أما خارجياً فيسعى أردوغان إلى توسيع نفوذ تركيا الإقليمي، وتعزيز علاقات بلاده وتقويتها مع واشنطن بالإضافة إلى الوقوف نداً أمام النفوذين الروسي والإيراني محافظاً على التوازن في الحد الادنى إن لم يكن ساعياً للتفوق عليهما.
مصير السلاح والمقاتلين
يبقى موضوع مصير السلاح والمقاتلين أحد أعقد محاور عملية السلام. ووفقاً لبعض التقارير، يُتداول مقترح يقضي بتسليم الأسلحة تحت إشراف لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة، وذلك في إقليم كردستان.
لكن هذه الخطوة، دون شك، ليست بالأمر الهيّن إذ قد يرفض بعض المقاتلين التخلي عن أسلحتهم ما لم تُقدَّم لهم ضمانات حقيقية وموثوقة.
أما فيما يتعلق بمصير بقية المقاتلين (الگريلا)، فما زال طيّ الغموض حتى الآن. ثمة من يطرح فكرة إعادة الأجانب منهم إلى بلدانهم الأصلية وفق ترتيبات قانونية، أو إصدار عفو عام عنهم. لكن هذا الطرح أيضاً ليس سهلاً بالنسبة لتركيا، إذ قد يؤدي إلى تعقيد مسار العملية السلمية، ويعرّضها لمخاطر جسيمة.
تداعيات قرار حزب العمال الكردستاني على العراق وإيران
لا شك أن قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح ستكون له تداعيات واضحة على الدولتين الجارتين لتركيا، وهما العراق وإيران.
فيما يخص العراق، ينبغي على أنقرة أن تدرك أن لديها قواعد ومواقع عسكرية عديدة داخل إقليم كردستان، وبالتالي، إذا نُفّذ قرار الحزب فعلياً بحل نفسه ونزع سلاحه، فإن على تركيا أيضاً أن ترفع وجودها العسكري وتُنهي قواعدها في هذه المناطق. مع ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن تركيا لا تزال غير مستعدة لتقليص هذا الوجود أو سحب قواعدها، كونها تعتبره جزءاً من استراتيجيتها الرامية لتوسيع نفوذها الإقليمي. في المقابل، ترى الحكومة العراقية في خطوة الحزب قرار صائبا وتحولًا إيجابياً يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، ولا سيما في المناطق الحدودية التي لطالما كانت مسرحاً للتوتر والاضطراب.
لكن في المقابل، ينبغي أن يُقابل قرار حزب العمال الكردستاني بخطوات دستورية كبيرة داخل تركيا، تكرّس الاعتراف بالحقوق القومية للكرد بوصفهم المكون الثاني في البلاد. كما ينبغي أن تُطوى صفحة التمييز، بحيث لا يُعامل الكرد بعد الآن كمواطنين من الدرجة الثانية، أو كما كان يُشار إليهم في الخطاب الرسمي سابقاً بـ» الأتراك الجبليون أو أتراك الجبال».