آفات تخترق المجتمع
منير حداد
حرقة النساء أثناء اللطم، ولوعة الرجال ناحبين، على جثمان شابة منتحرة؛ لأنها لم تدخل بكلوريا السادس الإعدادي؛ لفت فضولي للمشاركة في تخفيف المأساة عمن صب الحزن أساه في نفوسهم، وهذا مستحيل! لكنها محاولة إنسانية.. لا يمكن أن يرى المرء ناساً مفجوعين ويكتفي بالفرجة.
و... وقفت شبه مشارك مستغرباً رفض معمم في ضريح الإمام علي.. عليه السلام، الصلاة عليها، قائلاً: المنتحر كافر وصلاة الميت لا تجوز على كافر! بينما قَدِمَ معممٌ آخر وصلى على الجثمان، مؤكداً: قاتل نفسه يغسَّل، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين؛ لأنه عاص وليس كافراً.. قتل النفس معصية، ما هو بكفر، ملتمساً العذر لزميله: لكن ينبغي للإمام الأكبر، ولمن له أهمية أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار، لئلا يُظَنُ أنه راضٍ عن فعلته.
سواء أكان المعممان مصيبين أم مخطئين، هذا ليس شأني، ما يهمني هو تفهم الآباء لمعاناة الأبناء، نزولاً الى مستوى تفكيرهم، وهم في مرحلة يفاعة تهول الصغائر وتصغِّر الهوائل، يرون ما لا يرى سواهم بعين هوى جانح حد الإنتحار؛ لتخلفها عاماً عن زميلاتها، اللواتي... ربما تسبقهن متفوقة، لو صبرت على عدم دخول البكلوريا هذا العام، وكم من عالم.. بينهم أنشتاين، أعادته المدرسة الى ذويه، حاملاً رسالة تبلغهم بأن ولدهم قاصر الإستيعاب فعلِّموه صنعة تناسب أمياً!
واجب رسمي
وبالفعل كم عبقرياً خسرناه لأن مناهج وطرق التدريس لا تلامس منظومة ذكائه، وغير قابلة للتفاعل مع وعيه وتحفيز ملكاته العقلية، فإندحر بائع صابون ركي على الرصيف، إن لم يلقَ مصير الفتاة التي إنتحرت قبل سطور.. في مستهل هذا المقال، أو طوته الحروب الهوجاء والإرهاب والفواجع التي ما زال ينوء بها العراق.
أولياء الأمر كانوا سيدرأون موتها؛ لو أحاطوها بالعناية مثلما أحاطت أم أنشتاين إبنها... لأن شيوع ظاهرة الإنتحار، بمعدل خمس حالات يومياً، حسب إحصاء المنظمات المجتمعية، مؤشر خطير لا تبالي به الجهات الحكومية؛ وليس بعد الحق إلا الضلال؛ فإذا أخلت الحكومة مسؤوليتها متنصلة من الواجب الرسمي في مكافحة الآفات الإجتماعية والظواهر الفظيعة، كالإنتحار، من يتصدى للحفاظ على سلامة الدولة بأرضها وشعبها وسيادتها.
بالمقابل، توجِب المرحلة إعادة النظر بنظام التعليم في العراق.. تهرأت المناهج مقابل دول قريبة.. في محيطنا الإقليمي، إنتهجت تلخيص المادة في ثلاثين سؤالاً، تملى على الطالب سلفاً، ويجاء بخمسة منها في الإمتحان، أو الـOpen Book وسواهما من أساليب تدريس أسهمت بخلق عقول فائقة الإبداع، بينما المنظومة التربوية في العراق، تفاخر بحمورابي وتخرِّج الطالبات الى القبور!!! إحباطاً ويأساً و... همجية تعليمية بحاجة للمسة من حضارة الآخرين.
كلاهما.. المدرسة والعائلة، يلتمسان الخروج من الأمية التربوية القاسية، التي تخلق فجوة بين الطالب والمقررات المنهجية، حيث يجد نفسه أذكى من مواد يرسب فيها! معادلة هجينة لا تنتظم إلا بسفح حياة ومستقبل الطلاب...