طهران وتل أبيب .. من مسافة صفر
آريان ابراهيم شوكت
قبل أيام وأنا أتابع المستجدات السياسية على الصعيد الدولي بما فيها التصريحات والمقتطفات المصورة من تحليلات الحرب وحسابات الحقل والبيدر ؟ وتوقعات الايام الحبلى والتي تغطي تكهنات الاوضاع المتقلبة في المنطقة محاولاً قدر المستطاع بما تيسر لي من رؤية و فهم مستدركاً لتجارب الماضي التي مررنا بها بدأ بالحرب العرافية الايرانية في أيلول عام 1980 ونحن نسمع هدير الطائرات وأصوات المدافع وصفارات الانذار تدوي وتصرخ في مدننا وقصباتنا خاصة في منطقتنا ( راوندوز ) والتي كانت الجبهة الخلفية للمعارك لقربها من الحدود الايرانية فكانت المنطقة برمتها تأن تحت نيران القصف الايراني والناس بين حالة الذعر والصمود لغاية انتهاء الحرب ثم اندلاع حرب الخليج الثانية وقيام الانتفاضة في كل مدن كُردستان وجنوب العراق؟ لذا فان التجارب الحقيقية لا تقرأ دائماً في بطون الكتب ولكن الكتب قد تساعدنا على الانتفاع من التجارب الحية والمرة . المهم انه وبعد الانتفاضة ورفع القيود بدأت عملية اغناء المكتبة الكُردية بطرق متعددة عن طريق تدفق وفورات الكتب الثقافية خاصة السياسية منها والتي كانت في زمن النظام السابق ممنوعا واحيانا تصل عقوبتها الى الاعدام !! ( عندما يكون العقل في حلكة الجهل والظلام ) .. واتذكر من تلك الايام العصيبة بسبب وطأة الحصار الاقتصادي عندما كنا طلابا مستجدين في المرحلة الجامعية وقد تسنى لي قراءة كتاب ( حرب تلد أخرى ) للاستاذ المؤلف والشخصية العراقية المرموقة (سعد البزاز ) وهي من الكتب المؤثرة و الهامة التي تناقش تداعيات الحرب وأثرها على الدول والمجتمعات.
جيمس بيكر
وقد عزى الكاتب العراقي الاستاذ سعد البزاز حرب الخليج الثانية من افرازات حرب الخليج الاولى وكان اجتياح الكويت قراراً احرق الاخضر واليابس و قضت على البوابة الشرقية للامة العربية وأعاد العراق في فترة الحصار الى عصر ماقبل الصناعة كما قال وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر في جنيف عام 1991 لوزير الخارجية العراقي طارق عزيز في آخر اجتماع لهما قبل اندلاع الحرب باسبوع واحد عندما سلمه بيكر مظروفا صغيراً داخل ملف نيابة عن الرئيس الامريكي جورج بوش الاب في رسالة توعدُ بالشر وما يحدث للعراق مستقبلا من دمار والتهديد كان موجهاً بشكل مباشر الى الرئيس العراقي صدام حسين . وخاطب بوش صدام بقوله ( إذا لم تقم بالانسحاب من الكويت انسحاباً كاملاً غير مشروطاً فإنك سوف تخسر ما هو أكثر من الكويت !؟ )… إذن فقد كان الاستاذ سعد البزاز موضوعياً ودقيقا وجريئاً في تحليله عندما وجد أن قرار غزو الكويت نتاج وإفرازات للحرب العراقية الإيرانية المتزامنة مع محيط عربي متآمر ضد العراق . فحصل ما حصل والعبد يصبر على المقسوم !! . وهنا أضيف على ماتفضل به المؤرخ الفاضل سعد البزار من رؤية عميقة مؤيدا ماقاله ومؤكدا معلومة اخرى وهي : صحيح ان دخول الكويت من تداعيات حرب الخليج الاولى . و وفق هذا المعيار والمعطيات فمن الضروري القول ان الحرب العراقية الايرانية أيضا من تداعيات ونتاجات شن الحرب على اكراد العراق بعد مجيء البعث مرة اخرى الى السلطة عام 1968 وعندما تيقنت قيادات البعث تمام اليقين وعلى رأسهم صدام حسين ان الخيار العسكري ضد كُردستان لايجدي نفعاً بسبب تعرضهم الى انتكاسات عسكرية كبيرة وذلك وفق اعترافاتهم الشخصية؟ آنذاك تنازلت سلطات البعث لشاه ايران عن نصف شط العرب ورضخوا لطائلة من تنازلات اخرى غير معلنة في الاتفاق و وقعوا معاهدة الجزائر عام 1975 برعاية صدام حسين وشاه ايران واشراف الرئيس الجزائري هواري بوميدين . وبعد سقوط شاه ايران وجد صدام حسين ان الفرصة الذهبية سانحة للتنصل من الاتفاقية والغاءها بكل تفاصيليها واسترداد شط العرب والوقوف بوجه تصدير الثورة الايرانية بقيادة الخميني ..
أمن قومي
أما اليوم فإن مايعزز مصداقية السرد وتناول الحدث القائم ونتيجة البحث والتصفح والمطالعة ( ولا فخر ) لقراءة مآلات هذه الحرب الدائرة الان والتي إندلعت بين ولاية الفقيه في طهران و( الصقور داخل الكنيست الاسرائيلي) المتشددين جداً للأمن القومي الاسرائيلي وخاصة ما يتعلق بالقضايا المصيرية التي تخص اسرائيل وضرورة معالجة أسباب الصراع الاصلية خاصة الملف النووي وتمدد الاخطبوط الايراني في بعض بلدان الشرق الاوسط أو غرب آسيا كما يسميها الايرانيون مما يشكل تهديدا مباشرا لقواعد ومصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة لذا لم تكن المواجهات الاخيرة مجرد اصطدام عسكري صرف بل تجلّت مشاهد الحرب والدمار وتحديد النقاط المختارة للتدمير بدقة كاملة وتركيز متناهي كحلقة جديدة في حرب طويلة النفس والامد في بعدها اللوجستي والامني والعسكري واستخدام أنظمة التقنية السيبرانية لتعطيل الشبكات والبيانات الحساسة وحتى المنشات الاقتصادية لدرجة يجيد فيها الطرفان إدارة الوقت والصبر وضبط النفس والسيطرة على الهيجان الداخلي المتذمر بين المدنيين في كلا الطرفين كأداة استراتيجية وفرصة ليراجع كل طرف محارب حسابات ما كسبه وما خسره في ايام الحرب وتبني تكتيكات اكثر صرامة وبعداً لحفظ القواعد العسكرية والمنشآة الحيوية ويعيد كل جهة تنظيم قدراتها العسكرية ومنصات اطلاق الصواريخ الدفاعية والهجومية وتقنيات استخدام الأسلحة باقل الخسائر والتعبئة العامة.
و تقييم الردع بدقة متناهية، لأن الجولة التالية قريبة والضربات ستكون قاتلة والضربة الكبرى ضد ملالي طهران قادمة لامحالة ويجب القول أن تركيا ايضاً في مرمى النيران وهي الهدف القادم لكن بعد حين ؟ . إن ايران واسرائيل الجريحتان بويلات الحرب واستياء الرأي العام المحلي والدولي ستبقى أياديهم على الزناد خاصة اسرائيل و واشنطن ستتحرك عسكريا بشكل مباشر وغير مباشر لحماية تل أبيب لكن الطرفين يتخفيان خلف الدبلوماسية الناعمة والرسائل المحورة بانتظار صاعقة مؤجلة ومشاركة اطراف اوروبية في حرب ضروسة لاعادة الكَرّة واستخدام قدرات فائقة الدقة خارقة للتوقعات والتحصينات باعتبارها محكاً فاصلا لتضع الحرب أوزارها بشكل نهائي ويصعد نظام جديد الى دفة السلطة في ايران ضعيفة لاتشكل خطرا على الاخرين مستقبلا . إذن فالمسألة مسألة وقت واستعداد لا أكثر والوضع القائم كله هدنة تلد حرباً لايحمد عقباها وكما قال رئيس الموساد يوسي كوهين، «طالما ظل النظام الايراني الحالي قائمًا، مع الاتفاق النووي أو بدونه، فإن إيران ستظل تشكل التهديد الرئيسي لأمن إسرائيل». وأمن اسرائيل (الطفلة المدللة لواشنطن) خط أمريكي أحمر . بدليل أن السبب الرئيسي لسقوط نظام صدام حسين لم يكن دخول الكويت ؟ صحيح أن غزو الكويت كان خطأ استراتيجيا كلّف العراق والمنطقة ثمناً غالياً جداً لكن الطامة الكبرى والسبب الجوهري لسقوط نظام البعث هو قيام صدام حسين بقصف تل أبيب ب 39 صاروخا باليستيا ومعاداة اسرائيل بكل ماأوتي من قوة وهذا مايؤكده المقربون من صدام بدليل أن فاضل العزاوي ابن خالة صدام و رئيس المخابرات العراقية الاسبق وسفير العراق في واشنطن والذي تقلد مناصب كبيرة في العراق وكان داخل الحلقة المقربة من صدام قال مؤخرا في لقاء اعلامي أن العامل الحقيقي والمباشر لسقوط النظام في العراق بسبب ماكان يكنه صدام من عداء حقيقي لاسرائيل ودعم كامل للقضية الفلسطينية . تصرف جعل العراق خارج الزمن والسيادة بعدما سقط نظام صدام ( وغلطة الشاطر بالف ) . وهنا يجب الوقوف على معلومة مهمة جداً قالها صدام حسين للمحققين الامريكان في المعتقل الامريكي أثناء التحقيق معه من قبل وكالة المخابرات المركزية الامريكية باشراف ضابط المهمات الخاصة ( جون نكسون ) مؤلف كتاب ( استجواب الرئيس ) والذي روى في كتابه قصة اعتقال صدام وبعض التفاصيل المهمة وقد خصص نكسون خصيصا للتحقيق مع صدام بعدما أدخل في دورات تأهيلية خاصة وذلك باعتراف المؤلف نفسه مشيراً ان صدام قال لهم : بعدما أسقطتم نظامنا في العراق ونتيجة لغياب الامن واختلال دعائم التوزان السياسي في المنطقة فان العراق ستكون أرضاً خصبة ومنطلقاً سهلا لتأسيس الجماعات والحركات السنية والشيعية المتطرفة ؟ (كالقاعدة وداعش وميليشيات وفصائل الحشد الشعبي الموالية لايران) مضيفاً لهم أن المنطقة برمتها ستكون بعدي فريسة سهلة للتغلغل والسيطرة الايرانية بحيث تعجزون على الوقوف بوجه سياساتهم التوسعية لحماية حلفاءكم في الشرق الاوسط كما نراه اليوم بالتحديد؟ اذا فان أيام الحرب بين الحرس الثوري الايراني واسرائيل من حيث الاهداف المستقبلية وتغيير خارطة المنطقة في طريقها الى النور بشكل حتمي؟ وستكون حرباً طاحنة ولاتشبه أية حرب أخرى في الشرق الاوسط وهل أن وقف اطلاق النار في الظرف الراهن محاولة لاعادة التوازن بين الاطراف المتناحرة ؟ أم نهاية فعلية لحرب دارت لمدة 12 يوماً او كانت نهاية لمعركة واحدة وفق مبدأ الطلقة الاخيرة ؟ وهناك أسئلة تبحث عن إجابات ؟.