الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكبيسي بين ريشة تتأمل وقلم يتألم

بواسطة azzaman

الكبيسي بين ريشة تتأمل وقلم يتألم

السارد البصري الذي لا يرسم بقدر ما يكتب باللون

 

بغداد - محمد علي محيي الدين

في تخوم الحلة، حيث تتعانق ظلال النخيل مع ضفاف الفرات، ولد جميل إبراهيم رديف الكبيسي عام 1947، وفي هذه المدينة الغافية على إرث حضاري عميق، نما وعيه الفني وتفتحت مواهبه بين دفاتر الطفولة وألوان الحلم الأولى. لم تكن الحلة بالنسبة له مدينة فحسب، بل كانت قماشة أولى ارتسمت عليها انفعالاته البكر، فحملها معه حين التحق بكلية الفنون الجميلة ليصقل موهبته علمًا، ويجعل من الريشة لسانًا ينطق بما تضيق به الكلمات.

هو أديب وفنان في آنٍ، لكنه ليس كمن جمع بين الضدين على سبيل المصادفة، بل عاش ازدواج الهوية الإبداعية كتجربة وجودية متكاملة. فالفن عنده رؤية، والأدب استبطان. وقد انعكست هذه الثنائية في منجزه الإبداعي، حيث جاءت لوحاته حاملة لالتماعات الأسئلة، فيما سطوره مكتظة بظلال الألوان.

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت ملامح تجربته التشكيلية تفرض حضورها في المشهد الثقافي البابلي. أقام معرضه الشخصي الأول في قاعة اتحاد الأدباء عام 1997، لتتوالى بعده المعارض واحدًا تلو الآخر، في قاعات متعددة: من نقابة الفنانين، إلى نقابة المعلمين، مرورًا بجامعة الحلة الدينية ومديرية النشاط المدرسي. كل معرض منها كان بمثابة فصل جديد من فصول بوحه البصري، وهو يحاور الواقع برموزه الخاصة، ويشاكسه بألوانٍ مشبعة بالدهشة والمفارقة.

نبض داخلي

وقد تميزت أعمال الكبيسي بقدرتها على مزج الواقعي بالتعبيري، كما احتفظت بنبض داخلي يعكس نزوعًا تأمليًا لا ينفصل عن القلق الإنساني في لوحاته. كتب عنه نقاد محليون في صحف عراقية، مشيرين إلى فرادته في التقاط التفاصيل المهملة، وقدرته على تحويل العادي إلى رؤيا تحتمل أكثر من تأويل. وصفه بعضهم بأنه «فنان يسكنه الشاعر»، فيما نعته آخرون بـ»السارد البصري» الذي لا يرسم بقدر ما يكتب باللون.

أما في الحقل الأدبي، فقد صدر له عدد من المؤلفات التي تمثل امتدادًا لروحه الفنية، أبرزها: «أوراق متساقطة» (2011)، وهو عمل ذو طابع مذكراتي يحاول فيه الإمساك بفتات الذاكرة، و»رسوم تشاكس الواقع» (2013)، الذي يكشف عن رؤيته لما وراء الشكل، و»جدل الرؤيا» (2013)، حيث يتحول النص إلى مرآة قلقة للذات في علاقتها بالعالم. كما قدّم كتابًا تربويًا بعنوان «التربية الفنية أداة فاعلة في عملية التعلم» (2012)، يضع فيه خبرته في خدمة بناء ذائقة جديدة للمتعلّم العراقي، مما يشير إلى وعيه بوظيفة الفن كأداة للتغيير والتنوير. ينتمي جميل الكبيسي إلى جيلٍ ما يزال يؤمن بأن الفن موقف، والأدب مقاومة ناعمة. ولذلك نجده حريصًا على الحضور في المشهد الثقافي من خلال عضويته في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، ونقابة الفنانين، ومشاركته في معارض جمعية التشكيليين، ودار الفنون والثقافة، ليؤكد على أن الإبداع ـ مهما جار عليه الزمن ـ لا يزال قادراً على أن يكون نداء حيًا.

إن تجربة جميل الكبيسي، في جوهرها، ليست مجرّد سيرة ذاتية لفنان متعدد المواهب، بل هي رحلة داخل الوعي العراقي ذاته، حيث تتجاور الأسئلة والأحلام، ويظل الجمال نافذة مشرعة على الأمل، حتى وإن أحاط به رماد الخراب.

 

 


مشاهدات 70
أضيف 2025/07/07 - 3:11 PM
آخر تحديث 2025/07/08 - 6:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 157 الشهر 4322 الكلي 11157934
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير