الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن وزير عراقي مات مغدوراً

بواسطة azzaman

أذن وعين

عن وزير عراقي مات مغدوراً

عبد اللطيف السعدون

 

فكرت وأنا أقرأ للمرة الثانية كتاب (أوراق من ذاكرة عراقية) لزميلنا المغترب ليث الحمداني كيف يظل الصحفي أمينا على مهنته في اثارة ما هو جدير بالإثارة حتى لو طال الزمن، بما يجعله مختلفا عن السياسي الذي لا يكشف سرا الا اذا كان هذا السر يخدم مصلحته أو على الأقل بعد ان يكون قد ودع موقعه الرسمي وتحول الى «مواطن عادي» بعيد عن سطوة رجال «الدولة العميقة»، وقد اختزنت ذاكرة الحمداني في خمسة عقود قضاها في مهنة الصحافة أسرارا وخبايا لو صرح بها في حينها لكان عليه أن يواجه ما لا تحمد عقباه، خاصة وقد قدر له أن يعمل على مقربة من وزراء ومسؤولين كبار، ويبدو الحمداني في كتابه هذا ما يزال حذرا في أن يقول كل ما يعرفه، وان تجاوز الزمن تلك الوقائع، فهو يكتفي بالتنويه والاشارة في عديد من حالات الى أسماء أناس من أوساط مختلفة، صحفيين وسياسيين وعسكريين، ونحن نعرف مثلهم أيضا، تعرضوا للقتل العمد غدرا، ولا يعرف سوى القليل عن أسرار مقتلهم، من قتلهم ولماذا قتلوا، وإذا كان الحمداني يتجنب الافاضة في الحديث عنهم لسبب أو لآخر لكنه بدا كمن يطلب من الآخرين فتح ملفات هؤلاء الذين لم يقتلوا في حرب معلنة أو في صراعات معروفة، بل أن بعضهم اقتيد من الشارع وقتل، وآخرين اختطفوا وغيبوا ولم يعثر لهم على أثر، وبعضا ثالثا قتلوا عمدا مع سبق الإصرار والترصد لكن أقيمت لهم مراسيم حداد، ومشى في مواكب جنازاتهم مسؤولون حكوميون!

حالة اكتئاب

الاستثناء الوحيد الذي يبيحه الحمداني لنفسه الافاضة في تفاصيل تتعلق بواقعة «مقتل» طارق حمد العبد الله سكرتير الرئيس البكر والوزير فيما بعد التي وصفت في حينه رسميا بأنها واقعة «انتحار» نتيجة حالة اكتئاب أصابت الوزير، وكعادته لا يقطع بحكم نهائي في الواقعة، يكفيه أنه فتح الملف تاركا لغيره مهمة الحكم!

نفهم من سيرة الوزير العبدالله أنه كان موضع غضب من جماعات «الدولة العميقة» سواء منهم بعض أقارب صدام الذين يتعاملون مع المقاولين ويبتزونهم، ويمارسون ضغوطا عليه للحصول على مكاسب خلاف القانون، أو من رجال الأمن الذين لم تكن ترضيهم جرأة الوزير في نقد تصرفاتهم، ذلك ما جعلهم يكيدون له، ونعرف ان الوزير مراقب وقد وضعوا في مكتبه أجهزة تنصت ترصد كل حركة منه ونامه، وحقائبه تفتش كلما عاد من سفرة خارجية، هو يعرف تماما أنه محاط بخطر تصفيته خاصة وأنه يعرف من الأسرار الكثير وان كان لا يجاهر بما بعرف، وهو يخص الحمداني ببعض وجهات نظره بحكم كونه لصيقا به حيث بين أسرتيهما صلة جوار ومعرفة قديمة، وقد نمت الثقة بينهما من خلال عمل الحمداني كسكرتير صحفي له، وقد يكون ما يعرفه العبدالله سببا آخر لتصفيته اذ أن المعروف عن صدام حسين أنه شديد القسوة تجاه خصومه أو من يفترض أنهم سيكونون خصوما له أو أنهم بحكم خبراتهم وكفاءاتهم ربما يشكلون خطرا عليه مستقبلا فيعمد الى أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، بحسب المثل العراقي الشائع!

يسأله الحمداني لماذا لا تهرب؟ يجيب الوزير: «الخطر.. أراه ماثلا أمامي، ولكنني لا أهرب.. فأنا أعرف ما سيحدث لأسرتي وأخواني وأهلي.. سيموت الجميع بجريرة هربي، وانا لست أنانيا الى هذا الحد!»    

تلك واحدة من حكايات بخل كتبة التاريخ العراقي في توثيقها أو حتى في الإشارة اليها الا فيما ندر، ربما كان الخوف هو الذي جعل هؤلاء الكتبة ينأون بأنفسهم عنها، خاصة وأن أغلب من قتلوا غدرا تم في عهود «الدولة العميقة» التي صنعتها العسكريتاريا والأحزاب الشمولية، والتي تستطيع فعل أي شيء تحت لافتة «الأمن الوطني» أو حماية النظام أو الولاء للقائد، ولا تتورع عن استخدام كل أنواع الأسلحة ضد من يحاول كشف أسرارها، أو يشير اليها بأصبع الاتهام!

كتاب ليث الحمداني جعلني أفكر أن أحدا لن ينسى حكايات المغدورين الذين لا يعرف أحد من قتلهم ولماذا قتلهم، لكن الخوف قد يدفع الى الصمت لكن الى حين!


مشاهدات 58
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/07/05 - 1:53 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 7:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 184 الشهر 2447 الكلي 11156059
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير