الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ماجد السامرائي .. الناقد الأدبي

بواسطة azzaman

ماجد السامرائي .. الناقد الأدبي

رؤية إستعادية تلاحق الصحفي وتستحضر أشباحه

أحمد عبد المجيد

 

اذا أحصينا اعداد النقاد المشتغلين في حقل الادب في العراق اليوم، يبرز ماجد السامرائي في الطليعة، حاملاً مشروعه، متحدياً كثيراً من صروف الدهر.

وكنت تعرفت الى السامرائي للمرة الأولى وجهاً لوجه، في جريدة الجمهورية، عام 1977، يوم عملت في الصفحة الأخيرة التي كانت تحفل بأسماء قامات صحفية وطنية كفوءة مثل سعود الناصري وسلام مسافر وليلى البياتي ومنذر الجبوري وقبية العمر، وكتاب كبار مثل جليل العطية وهلال عاصم وصادق الازدي وغيرهم فيما كان المصمم المشهور حسام الصفار يخرج الصفحة بحلتها الزاهية.

لون سياسي

وصادفت السامرائي في ملحق الجمهورية الاسبوعي مع الكاتب الصحفي والناقد محمد الجزائري ثم في صفحة آفاق التي رأس تحريرها بعد (مجزرة) نقل الصحفيين من اللون السياسي الآخر او المستقلين، مثل ضياء حسن ومحمد كامل عارف ومظهر عارف وشملت سلام مسافر وسعود الناصري وخالد الحلي وسهيل سامي نادر، فضلاً عن عاملين في القسم الفني بينهم مظهر المفرجي شقيق زوجتي، حيث جرى توزيعهم بين وزارات التجارة والصحة والاسكان وتنسيبهم لوظائف ادارية.

وظل السامرائي يشغل هذه المهمة، وهو يواجه تحديات كبيرة من أهمها الابقاء على الاقلام التي كانت صفحة آفاق (وهي ثقافية رصينة) تحتكرها او نجحت باستقطابها نتيجة الشغف المهني للمسؤول السابق.

ولم يصادف اني عملت في اي من الاقسام التي تولى رئاستها السامرائي في الجمهورية، لكني صادفته خلال العمل بمكتب مجلة (التضامن) اللندنية ببغداد عام 1985، ورغم عمله الحكومي فأن السامرائي كان يرفد المجلة بأفضل المواد الادبية، مستثمراً علاقاته الواسعة بالأوساط الثقافية. وربما لا يمكن نسيان سلسلة حواراته مع عالم الاجتماع الكبير علي الوردي بشأن علم الخارقية (الباراسايكولوجيا) الذي كان الوردي ينظر اليه من زاوية خاصة. وقد ضمنت كتابي (هذا نصيبي من التضامن) الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت عام 2022، رأياً مهنياًُ يتعلق بهذه الحوارات.

وعملياً انقطعت علاقتنا الصحفية منذ العام 1990، عندما احتجبت (التضامن) التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي اللبناني فؤاد مطر عن الصدور، برغم استمرارنا في العمل الصحفي، هو يكتب في المطبوعات المحلية والعربية وانا ازاوله في الداخل والخارج، وظل (شبح) السامرائي ماثلاً في الساحة برغم ان حضوره الخارجي يبدو أوسع. فهو من النوع المتأني أو المتباطئ في الانتاج، ولذلك فأن مقالاته تتسم بالعمق والرصانة وتتبع مقتضيات النشر في (الاقلام) العراقية و(الآداب) اللبنانية وعدد آخر من المجلات المغاربية. وكان يتقاضى منها مكافآت مجزية تناسب مجهوداته النقدية التي لم يقصرها على النشر حسب، بل يوسعها لافادة الادباء العراقيين، ولاسيما الذين يدخلون مزاجه، وهم قلة بينهم القاص علي خيون. وفي جلسة ضمتني اليه بحضور الصديق ضياء السعدي نقيب المحامين السابق وطلال الغوار الاديب المعروف، تحدث عن صفحات من مواقفه التي عزز بها حضور قاصين وشعراء عراقيين، اخترقوا بفضله اسوار مجلة الاداب البيروتية وسواها. وكان يعد ذلك أمراً طبيعياً يرتبط بموجبات الصداقة وتبني المواهب والأعمال الواعدة في حقل القصة والرواية والشعر.

كانت الجلسة التي استغرقت اكثر من ساعتين، وسط مناخ شبه ثقافي يشهده، يومياً، مقهى رضا علوان في (الاربع شوارع)، بمثابة فتح كنز من الاسرار والانطباعات التي تحدث عنها السامرائي منذ بداياته الاولى وانتهاء بواقعه الراهن الذي يتسم بالرتابة والكسل. وقبل ان امد يدي اليه للمصافحة استرجعت قول تشي جيفارا (يمكنك معرفة ما اذا كان الانسان حياً أم ميتاً، لا من نبضه، بل من موقفه الشريف). وحال جلوسي امامه واصل حديثه عن اصدقائه الصحفيين وعمله في جريدة الشعب التي تحولت الى صحيفة حكومية بعد سنوات، واسهب في استعراض نشأة وتطور عدد من المطبوعات منها مجلتا الف باء التي صدر عددها الاول في 3 أيار 1998 بحسب ذاكرته التي وجدتها، هذه المرة،  مجهدة نسبياً ويعتريها النسيان، ولا سيما ازاء  الاسماء. فقد اضطر ان يتوقف طويلاً، لكي يتذكر اسم الروائي المصري يوسف ادريس، الذي قال السامرائي انه تفقده في مستشفى الامراض النفسية بالقاهرة، وكرر سرد قصص زياراته الى بغداد وادمانه القاتل. كما تحدث عن زميله زيد الفلاحي ومحمد كامل عارف اللذين رافقاه في اصدار العدد الأول من ألف باء، كما اشار الى دوره في اجراء سلسلة من موضوعات الغلاف للعددين الاول والثاني تحت اشراف الصحفي المصري علي منير، المنتدب الى بغداد من مدرسة (صباح الخير). ومازالت ذاكرته تحتفظ بوقائع المقابلة التي اجراها مع التشكيلية سميرة القصاب التي احتلت صورتها غلاف المجلة، بمناسبة اقامتها معرضاً تشكيلياً في بغداد بالتزامن مع معرض في بيروت اقامته زميلتها (..........) التي نسي السامرائي اسمها تماماً، لكنه لم ينس طبعاً، حديثه عن شاعرية شاذل طاقة والسياب الذي خصه بآراء منصفة، ولاسيما ظروف عودته الى جيكور واصابته بالمرض اللعين، بالمقابل انتقد (على طريقة نقاد الأدب) حداثوية عبد الوهاب البياتي، وروحانية نازك الملائكة.

ولازال السامرائي يعتز بتجربة عمله في مجلة الاذاعة والتلفزيون، ابان كان شاذل طاقة وكيلاً لوزارة الاعلام وكيف اعادها محمد سعيد الصحاف الى حضن المؤسسة، واستقطبت زهير الدجيلي وارتفعت نسخ مبيعاتها الى ارقام فلكية، نظراً لقوة وتنوع محتواها.

ذكريات مركبة

كانت جلستنا ممتعة، لانها تضمنت ذكريات مركبة صحفية – أدبية، كنت استمع واستعيد بدوري بعض حوادثها وشخوصها، لأني عشت تفاصيلها وتحدياتها، ولإهمية ما أدلى به السامرائي من معلومات من العيار الثقيل، فأننا اجمعنا على أهمية الاستفادة الاعلامية من مشروع فتح هذا الكنز قبل فوات الاوان. وقد أسدينا النصح الى السامرائي بأن يكرس وقتاً لكتابة يومياته في الحقب التي عمل فيها في الصحافة، فهو مخضرم بحق، وشاهد عيان حي بحق، وصانع اشكاليات ثقافية بحق. ولذلك فأن بعض لمحاته اشارت الى وقائع المربد والمفارقات التي صادفته في ايام المهرجان الشعري، الذي كان أبرز حدث أدبي عربي خلال عقد الثمانينات منذ القرن الماضي.

ولابد لي من الاعتراف بأن طبيعة اداء السامرائي وشخصيته التي تتسم بالتقتير والشح، قد افقدته بعض حضوره في الاوساط الثقافية العامة، وربما باستثناءات قليلة، فأنه واجه صعوبات التأقلم مع اجيال الصحفيين من زملاء المهنة، العاملين في بلاط جريدة (الجمهورية) التي وصفت بالمدرسة اركانها سعد قاسم حمودي وسمير مصطفى وهادي الانصاري وحسن السعدي ولطفي الخياط وابو ايمان (محمد حامد) ويحيى الشمال وزيد الفلاحي ويحيى الدباغ وفي القسم الرياضي يبرز يحيى زكي وعبد الجليل موسى وفي التصوير سامي النصراوي وجاسم الزبيدي ومحمد علي حسن ثم رحيم حسن وصباح عبد الرحمن وفؤاد شاكر وغيرهم، وفي القسم الفني سعدي محمد ومالك البكري وعبد الوهاب الكيلاني وزهير النعيمي الذي تحوّل الى رسام كاركتير ماهر، وفي التحقيقات الكاتب البارز سجاد الغازي ومحمد خلف وندى شوكت وبشرى يوسف، وفي الاخبار الدولية نصير النهر وصالح سليمان والمحليات شهاب التميمي، وفي القسم السياسي فلاح العماري وفرات الجواهري وابو هدف (منير رزوق) وفي التصحيح مظفر البشير وطارق الزبيدي وريسان مطر، وفي الترجمة ابتسام عبد الله وأمل الشرقي وآمنة عبد الوهاب ووحيدة المقدادي ونجوى ابو غزالة ونامق كامل ومحمد الجبوري. ولكل واحد من هؤلاء محبة في قلبي وذكرى في عقلي لو سطرتها لاحتجت الى مجلد يصدر في اجزاء. واذا فتحنا سجل رؤساء تحرير الجريدة، وجلهم تخرجوا من معطف الادب، نفهم دوافعهم في قبول السامرائي في اوساطهم، فالفنون الصحفية في عهودهم، اختفت او تضاءلت وراء نزعتهم الادبية وعنايتهم بالمقال السياسي، فيما اضطر نظيرهم الأستاذ سعد البزاز الذي شغل المنصب بعد عام 1990، وهو صحفي وكاتب بارز، الى قلب المعادلة والاهتمام بالخبر والتقرير والاستقصاء، فتراجع دور السامرائي ورهطه، وتقدمت كوكبة من المهنيين الشباب الذين اعادوا الاعتبار الى الخبر والمانشيت والرؤية المعمقة للظواهر العامة، وذلك امر مفهوم يفسر عزل السامرائي او اقصائه ودفعه الى خانة (المستشارين)، وهي طريقة ادارية ذكية في العزل كنا نترجمها بالقول (جلاق الى الوراء) وللراغبين بالاطلاع على جهود هذا الجيل من الصحفيين ادعوهم لقراءة كتاب (جمهورية البزاز) للزميلة نجاح كاظم وقد صدر عن (الزمان) عام 2024. كان ضيق الأفق قد أبعد معظم شباب الصحفيين عن نحت حياة مستقلة جديدة لا تتطلب حضور الاملاءات في فضاء مقيد بالمركزية. لقد هيمن السامرائي على صفحة آفاق خلال عقد التسعينات واحتكر عدد بسيط فقط، من الكتاب الصفحة عبر مقالات ثقافية اسبوعية اثير بشأنها جدل وعدم رضا حكومي احيانا، فقد كتب الناقد والشاعر الكبير عبد الرحمن طهمازي (سوانح) ثم (بين فكي رحى)، وتسجل له المكتبة الصحفية نجاحه في حسم سجال طويل بين مالك البكري ونعمة رحيم العزاوي، بشأن (مقاهي بغداد) مسرحه صفحة آفاق. كما احتكر حاتم الصكر الصفحة ذاتها مقرناً كتاباته برسومات الفنانة التي كانت مغمورة هناء مال الله. وقد سرد علينا السامرائي الذي لم تسعفه ذاكرته استحضار اسم مال الله، واقعة اطلقت بيننا ضحكة مجلجلة استلفتت رواد مقهى رضا علوان، عن انهيار العلاقة الثنائية بين الصكر ومال الله التي ترجمتها بلوحة (الرأس والقنادر). ورأيت بعد ذلك كله ان اوجه عتباً للبرامج الحوارية في الفضائيات التي تنهال علينا يومياً بأسماء وعناوين ما انزل الله بها من سلطان وتقاتل من اجل قضية لا معنى لها، فيما تهمش أو تقصي العناوين الثقافية او تتجاهل استضافتها نتيجة عوامل عدة، بينها سياسة المؤسسة وجهل مقدمي البرامج وتراجع وعي المقدمين، الذين يبحثون عن عنتريات اصحاب الطشة والباحثين عن النجومية في المشهد الاعلامي والسياسي. فأين هم مثلاً من ماجد السامرائي؟ ولماذا يغيب صحفيون وكتاب من طرازه عن الشاشة؟

 


مشاهدات 74
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2025/07/05 - 1:31 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 7:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 184 الشهر 2447 الكلي 11156059
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير