نبض حواء صبر
هدى جاسم
كلما مررت بشارع قديم تحفه بيوت اقرب للمتهالكة ، اجد ملايين الحكايات التي علًمت ببواطن الحجر وصارت مع الزمن اخاديد موثقة بذاكرة من عاش بعض مفردات تلك الحكايا .
غالبا ماتكون بطلات الحكايا نساء من زمن مضى او زمن مازلنا نعيش فيه ، وغالبا ايضا مايكون الصبر عنوانا بارزا يلتف حول القصص التي مرت ومازالت تمر كل يوم باطار اخر وبعنوان واحد هو الصبر .
مع الوقت كانت الجدران اقرب للحكواتي الذي ينسج من مداخلات مستمعيه صورا جديدة يربط بها ماكان مع مايكون وما يمكن ان يكون ، وعلى جدار بيت عتيق كانت صورة المرأة التي علق عليهاغبار الزمن قد اوحت ما اوحت من الحكايا وهي تقف في طابور طويل من النساء العالقات على اطراف الحرب بانتظار بشائر خوذة منعت الرصاص من الاقتراب من جمجمة حبيبها او ولدها او اخيها ، لكنها تقرء خجل الخوذة قبل ان تصل اليها مخضبة ومرهونة لزغاريد تطلقها النساء انتصارا للقيم وخذلانا لانوثتهن .
اقترب الصبي من الصورة التي احاطها الغبار من كل مكان وقال هذه جدتي .. نحن اليوم جئنا نستذكر وجودها وان كانت معلقة على الجدار ، لكنها كتبت الكثير قبل ان ترحل ، اوصتنا ان ننتظر خوذة ابي وخطوات امي القادمة من ابعد مدينة يمكن ان تصل اليها بحثا عن محاربين بينهم رجل اجبته ، اوصتنا ان لا نضيع الطريق وان نمسك باطراف الحلم بالعودة الى بيت جدارانه من بلور الذكريات وابوابه احلام مصنوعة من حلوى الصبر .
مضت السنوات وكبر الصبي وصار كل يوم يقترب من حلمه وهو ينفض الغبار عن صورة جدته وحلم امه وعودة الخوذة بلا اثار تخضبها ،وذات حلم في ليلة لم يعد يتذكرها في اي زمن مرت سمع صوت الحرب وهو يخطف العشرات من النساء والاطفال بلا ذنب فقط لانهم اصحاب الارض والحجر القديم والصور المحملة بالذكريات ، دارت الحرب لكنه تمسك بخيوط الامل وهو يحبس انفاسه، فادرك ان الحجر سينطق ذات يوم و يعلن هوية اصحابه مثبتة بالذكرى والقسم والخوذ المخضبة وطوابير احلام النساء .