الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ذاكرة ابن بطوطة وبعيره وبغلته


زمان كل يوم ( 2 )

ذاكرة ابن بطوطة وبعيره وبغلته

نعيم عبد مهلهل 

 

الترحال سفر ، والسفر دهشة ، والدهشة متعة ، والمتعة روح . وكل هذه الارهاصات يعيشها المسافر والرحالة .. حتى مع تلك العبارة الرهيبة التي قالها الحجاج : لولا فرحة الأياب لعذبت لاعدائي بالسفر .

قديما كان للسفر متعة أجمل من اليوم ،لأنك تستغرق اشهراً في مشقة السير والصعاب لتمتع ناظريك بصباح في بغداد وليل في سمر قند وظهيرة في اصفهان أو دمشق ، اما اليوم فأانت الساعة السابعة في مطار البصرة وبعد ثلاث ساعات صباحاً أنت وسط مدينة أسطنبول تمنعكَ مزامير السيارات وايقاع خطوات حشود المارة من أن تتمع جيدا بجمال عمارة قصور السلاطين وما ابدع فيه المهندس سنان في هندسة وبناء قباب ومنائر جوامعها .

لهذا سيختلف ترحال الامس عن ترحال اليوم ، والفارق أن رحالة الامس يتمتع بمشقة السير وانتظار الوصول واليوم طائرة الاير ــ باص توصلكَ إلى الصين بساعات وقد اختصرت بنهار عام من سير قوافل التجار والحجيج والرحالة في طريق الحرير .

اذن نحن بسبب عولمة المتغيرات يتغير لدينا نمط الترحال وتفقد عبارة الحجاج بن يوسف الثقفي الكثير من بريق المعنى .وبالرغم من هذا تستطيع أن تبقيَّ لديك موهبة وهواية الترحال حين تختفي في معاطف المدن ومستخدمٌ خطواتك وليس وسائل النقل العام والخاص لتزور مراقد مقدسة وازقة وحمامات ومدارس فقه وتكيات متصوفة ومتاحف اثار وحوانيت وراقين .

يوم ذهبت إلى طنجة في اول احلام كتب الرحلات التي صارت لاحقا 6 كتب . نصحني صديق طنجاوي أن ازور طنجة القديمة ، لكن ليس لازور قبر رحالتها الشهير ابن بطوطة فقط ، بل لأسمع وقع خطوات ناقته وهو يردد ما ذكره في مقدمة كتابه " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ":

(( كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة لأنويَّ حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) منفرداً عن رفيق إنس بصحبته وراكب أكون في جملته لباعث على النفس... وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور )).

في ذات اللحظة وأنا اشم هواء صباح طنجة القديمة ونظرات سادن قبر ابن بطوطة تستقبل فرحي بلحظة مشاعر الفصل الأول من كتابي عن طنجة تذكرت مغادرتي للمدينة السومرية التي تلتحف برداء الكاهن الكبير في معبد زقورة أور وقد تعلقت بأجفاني الخائفة من مجاهيل السفر رغبة أن اكون أول الرحالة في تاريخ هذه المدينة التي كلما عطشت عاتبت الفرات بمرثية مكتوبة بخط مسماري أو ببيت من الأبوذية  لواحد من شعرائها الشعبيين .  وكم كنت سعيدا حين عرفت من وراق في طنجة أن الرحالة المغربي كان قد مر قريبا من أور وزار مرقد السيد احمد الرفاعي الواقع في البادية التي تفصل بين ذي قار وميسان آت اليها من بلدة واسط . ومتى اكملت شغف السير في ازقة وزنقات وحومات المدينة القديمة حتى تخيلت الرحالة في تفاصيل المحطات والمدن والخانات وقصور الملوك واسواق العواصم .وبدأت أكتب أول كتاب للسفر ،ليلحقها آخر عن سفر لحيدر اياد وتطوان ومراكش وسمر قند ودمشق والعين وباريس . وفي الجعبة مشاريع رحلات تخطط احلام أجفاني وتذاكر السفر لها .

بين طائرة الخطوط الجوية التركية التي تحملني إلى مطار محمد الخامس في كازابلانكا ثم مطار ابن بطوطة في مدينة طنجة وبين بغلة أو ناقة البحارة وهي تنقله إلى عالم متعة الاكتشاف والنظر والمغامرة اعيش هاجس الرحالة وانا اعرف اننا بسبب افتقدنا إلى مشقة السفر في ازمنتهم لن تكون رحلاتنا مدهشة كرحلاتهم .

 


مشاهدات 54
الكاتب نعيم عبد مهلهل 
أضيف 2025/07/01 - 2:28 PM
آخر تحديث 2025/07/02 - 6:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 200 الشهر 821 الكلي 11154433
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير