الراهب المحتال.. من رواية إلى مونودراما
عزيز جبر الساعدي
في زمنٍ تتعطش فيه المسارح إلى أعمال درامية ترتكز على العمق النفسي والشخصيات الإشكالية، تبدو رواية «الراهب المحتال» للكاتب البريطاني ويليام لو كيو مادة خصبة لإعادة التناول الفني، ليس فقط بوصفها نصًا أدبيًا يعود لبدايات القرن العشرين، بل لأنها تسلط الضوء على واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الروسي، وهو غريغوري راسبوتين.
في مشروع فني جديد حمل عنوان «اعترافات راهب محتال لنقابة فناني بابل»، تمت إعادة صياغة الرواية ضمن قالب *المونودراما – ذلك النوع المسرحي الذي يعتمد على ممثل واحد، يُجسد من خلاله بوحًا داخليًا، ورحلة نفسية، واستبطانًا وجوديًا لشخصية واحدة، تمثل أحيانًا أمة أو فكرة أو حقبة بأكملها.
ورواية الراهب المحتال لا تكتفي بسرد سيرة راسبوتين، بل توظفه كأداة لتفكيك البنية السياسية والاجتماعية في روسيا القيصرية، قبيل سقوطها. الكاتب، المعروف بميله إلى الأدب السياسي والشُبه الوثائقي، قدّم نصًا يتداخل فيه التوثيق مع الخيال، والتقارير الصحفية مع التصورات الروائية.و، تمت إعادة توزيع هذه الطبقات السردية على محاور نفسية، حيث نسمع راسبوتين وهو يخاطب الله تارة، وظله تارة، والناس الذين أخرجوه من المجهول إلى قلب البلاط الإمبراطوري ثم عادوا ليغرسوا فيه الخنجر.والرمي بالسلاح المبالغ فيه في المشهد الاخير.
وفي هذا العمل، قام الفنان أحمد عباس بتولي مهمتين متلازمتين: التمثيل والتوليف *، وهو تحدٍ مزدوج يندر أن يتقنه فنان من دون أن يقع في فخ التنميط أو الاجتهاد الفردي. لكن الأداء جاء متماسكًا، يحمل نبرة الراهب والمخادع، الواعظ والمنكسر، ليخلق شخصية متوترة تقف على حدود الإيمان والجنون. واعتمد الأداء الصوتي على تنويع نبرة الحديث، ما بين الخشوع والخداع، بين الحنين للقرية السيبيرية والصراع مع السلطة.( لم يكن مقنعا بسبب ضعف الإنتاج )وقد أضافت المؤثرات الصوتية – مثل وقع الخطى، وصوت الريح، وبعض المؤثرات – بُعدًا دراميًا ساهم في نقل المشاهد إلى عالم بطرسبرغ المظلم.
وواحدة من أبرز نقاط القوة في النص المسرحي كانت استخدام الحوارات المأخوذة من الرواية نفسها، والمثبتة في رسائل ووثائق تاريخية، كمثال:
«أنا لست راهبًا... ولم أطلب القصور... هم من فتحوا لي الأبواب.»
«بدون لقاءاتنا الأسبوعية، كل شيء مظلم... فيك وحدك لدي إيمان.»
هذه العبارات لم تكن مجرد اقتباسات بل تحوّلت إلى مفاتيح درامية لبناء مونولوج داخلي يقود المشاهد إلى التساؤل: هل راسبوتين ضحية سلطة أم صانع خراب؟ هل آمن حقًا برسالته، أم كانت مجرد خدعة محكمة؟
وللحديث بقية..