الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شكوك كثيرة

بواسطة azzaman

شكوك كثيرة

عبد المحسن عباس الوائلي

 

وانا اكتب أشك بقولي لأن القوة ليس مثل الوساوس الخفية ولكني سأكتب واعلم أن القلب غير اللسان فللسان جميلاً أحياناً والقلب يضمر العكس.

هنا دائما لحظة صدق في حياة كل انسان، تقرع في رأسه دونما انذار مسبق، مثل ومضة تضيء ما كان يحاول أن يدسه في العتمة أو ينكره أو يكابر في الاقرار به، لقد عشت شبابي (الذي لم ينقضي بعد) وأنا أبشر بإمكانية الصداقة بين المرأة والرجل ضارباً المثل بالعديد من صديقاتي اللواتي يثقن فيّ ويعتبرنني في مرتبة وسط بين الأخ والزميل، ومن جانبي عرفت نساء جديرات بذلك الشعور من الأمان الذي يجعلك تبوح لهن بما تفكر فيه، من دون خجل او وجل، واثقاً بأنهن قادرات على فهمك من دون أن يكون شيطان الرغبة حاضراً في حفلة الصداقة.

كنت دائما أعتبر الميل الجنسي قضية شديدة الخصوصية لا تحصل على مدار الساعة، ولا مع كل بنات حواء، وهي تتركز على امرأة ذات مواصفات معينة محدودة في بالي، وفق ذائقتي وثقافي وعاداتي. لذلك.. فقد آمنت بأن في مقدوري ان ارتبط بصداقة وطيدة مع قريبة لي أو زميلة في العمل، أو زوجة احد الاقرباء، من دون ان تتحرك الآفات الجائعات الكامنات في نفس كل رجل، أن الصداقة صداقة سواء أكانت مع رجل أم مع امرأة، أما الانجذاب العاطفي فشيء اخر.

لكنني أمس، بينما كنت ممداً اتفرج على فيلم امريكي قديم، سرحت أو غفوت أو غبت عن الصور الراكضة على الشاشة، وجدتني استعيد اللحظات الجميلة من عمري، تلك التي كان فيها للمثابرة والطموح والحظ والحب والصداقة أدوار أساسية، ولا أدري لماذا حضرت وجوه نسائية من تلك المحطات، ومرت في بالي وكأنني في عرض هادئ للشخصيات لا للأزياء، لقد شغلت كل واحدة منهن حيزاً مهماً في مرحلة من المراحل، وكانت الملهمة أو الحامية أو الناصحة أو كاتمة السر التي وقفت عند رأسي ودفعتني الى الأمام، وهي تدعو بالتوفيق، هل يمكن لكل واحدة من اولئك الصديقات، وعددهنّ لا يزيد على عدد اصابع اليد، ان تأخذ دوراً يشبه الى حد كبير دور الأم أو الأخت الكبرى.. لماذا كنت أحتاج اليهنّ والى نصحهن وخبرتهن وحنانهن، على الرغم من انهن لم يكنّ جميعاً، أكبر مني في السن، وأين يقع الخيط الرفيع الفاصل بين الصداقة وبين الحب، هل يكون الاحترام هو الشعور الذي يرتفع مثل السد ضد أي جنوح في التصرف، ومن قال انّ الرجل لا يحترم المرأة الحبيبة، وهنا قادتني أفكاري الى أن الاحترام الذي أقصده، لا يعني التهذيب الفعلي والفظي ولا فتح الباب للمرأة وتركها تمر أمامك، ولا الانحناء لها والوقوف كلما قامت وجلست، بل هو تلك المهابة التي تفرضها هي عليك، بما تملكه من صفاء سريرة، ومن نظرة خالية من المحرضات والغوايات والتوابل.

هل كانت صديقاتي خاليات من التوابل، بلا طعم ولا رائحة، انني اذ استعيد صورة كل واحدة منهنّ، اكتشف ان صداقتنا لم تكن تخلو من تجاذبات، ومن لعبة شد حبل هادئة، ومن ضحكات ونظرات ذات مغرى، ومن تواطؤات لطيفة، ومن مبادلات ذكية هي الأصل في المثل الذي يقول "ان الطيور على أشكالها تقع". وبهذه الومضة الكاشفة، وجدت أن تلك العلاقات لم تكن طوباوية مئة في المئة، بل هي في الحقيقة قصص حب مبتورة لم تكتمل، لسبب من الأسباب أو لظرف من الظروف، من جانبي او من جانبهن.

هل معنى هذا أن الشيطان كان كامناً بيني وبين كل واحدة من النساء المحترمات اللواتي سعدنا بصداقاتهن، أعوذ بالله، فعندما يلتقي اثنان عند عتبات الصدوق والتعاطف، لابد أن ينزوي الشيطان في ركن بعيد ولا يجرؤ على أن يطل برأسه بينهما، وأنا اعترف لكم اليوم بأنني أحببت كل صديقاتي ومازلت أحفظ للقديمات منهن الودّ والجميل، ولم أحاول أن انصب فخاً لأي منهن ولا رسمت على ملامحي صورة القديس الزاهد، بينما كانت احشائي تستعر ناراً، وفي نهاية الأمر، فأن المرأة لا الرجل هي من تحدد نوع العلاقة وتفرض شروط اللعبة، وهي من تستمر فيها اذا وجدت المعلب مناسباً، او من تنحسب منها عندما يخلّ اللاعب الخصم بالشروط، وانا لم اكن الخصم الذي يخل بشروط التواصل الانساني الرفيع. ولكن في القلب غير ما في اللسان.. اللهم ارحمنا وأحمنا من كل سوء.


مشاهدات 343
الكاتب عبد المحسن عباس الوائلي
أضيف 2025/05/19 - 4:24 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 9:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 193 الشهر 814 الكلي 11154426
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير