الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محمد بنعمارة.. والانسلاخ من عالم المادة  ( 1945-     2007)


محمد بنعمارة.. والانسلاخ من عالم المادة  ( 1945-     2007)

مهند الياس

    **                          

.. لم يصلنا الى المشرق العربي ، الا اليسير من مظاهر  الحركات الثقافية في المغر ب العربي الذي شهدت ساحته الادبية والشعرية تواصلا    مكثفا في العطاء  الذي زخر بكثير من التحولات والارهاصات وخاصة ماقبل وبعد الاستقلال ، اذ ان المغرب يمثل المكانه المرموقة في معالم الادب العربي الحديث وما ترفل به تطلعاته من اغناء  كبير .

وخاصة في الشعر الذي تقدمت في افقه اسماء كثيرة وكبيرة واصبح لها الا ثر البالغ في تعميد الاضافات الجديدة للقصيدة العربية ووفق الحداثة الناضجة وترتيب تياراتها الفنية .

ولما كانت المسارات الشعرية قد اعطت تفاعلها الجمة وقدمت نتائجا وثقها النقاد عبر مسارات التحول الزمني ، فظهرت اسماء لها تجارب  عالية توطدت فيها مقومات تحمل تجاربا تصل الى العالمية

اذ توقف عندها النقاد واستحوذت على مشاعر القاريء  ووفرت له القناعة الكبيرة في القبول ، ذلك لان المثقف المغربي له افاقة الواسعة والمتميزة   وبالذات الشعراء مثل ابراهيم الالفي ، واحمد البقالي ،واحمد المعداوي ، وعبد  الرفيع الجواهري وعبد المجيد بن جلون وغيرهم .

حيث  يبرز محمد بنعمارة من بين  تيار هؤلاء الشعراء ، وهو يكشف عن تجر بته الشعرية الطافحة بالابداع والتفرد ، كونها

تتقاطع مع    مع اكثر تجارب الاخرين من معاصريه ، حيث توضحت صفحات تجربته من خلال العلاقة الوثيقة ما بين الذات والمطلق ، مابين الظاهر المقهور والداخل الذاتي والنفسي 

الممزق  .. لذا فان الشاعر بنعمارة وضع تجربته الشعرية امام معاصريه ليقو لو قولتهم في صفاء تجربته الشعرية الخاصة

وخاصة بعد ان نشر ديوانه   – نشيد الغرباء – 1981 .

يقول بنعمارة : ( تجربتي الشعرية انطلقت اوسط الستينات واثمرت الديوان الاول ( الشمس والبحر والاحزان) -1972 ، ويمثل هذا الديوان مرحلة التعلق    بالمقروء الشعري من جهة خصوصا انتاج الرومانسية ثم تجرية العلاقة مع الطبيعة والمراة ولذلك اتسمت قصائد هذه المرحلة بالغنائية والشفافية والاعتماد على الايقاع الهاديء والكلمة الهادئة الا ان تحولا افرزته المرحلة الثانية وظهر في قصائد الديوان الثاني ( العشق الازرق) وهو مشترك مع محمد فريد الرياحي وكانت قصائد هذا الديوان تمثل القصيدة الذهنية او ما يمكن تسميته بشعر الفكرة .. ولقد عبر ديوان عناقيد الصمت عن هذه المرحلة (  التمزق العربي) غير ان الغنائية التي بدأت بها تطل من جديد في محاولة مزج بين ماهو موضوعي وماهو اني ذاتي .

اما المرحلة التي مثلت  فاصلة جادة مع المراحل السابقة فتبدأ بصدور  ديوان ( نشيد الغرباء) ا لذي شكل قطيعة  تامة مع الدواويين السابقة  لكونه يمثل اول ديوان في الحركة الشعرية المغربية  ) ..

ومن  خلال هذا التدرج في تحول محمد بنعمارة الشعرية نستطيع

ان نقول بان هذه المرحلة تمثل رحلة مضنية استفاد منها الشاعر وعبر مداخلها لانها تعج بالطبيعي والمالوف  الذاتي ...

لقد انصرف بنعمارة الى الفسيح النوراني ، الى ضفاف الله التي لا حدود لها ، بعد ان خاطب نفسه  بان تحصل على التوبة والغاء ما خلفته من شوائب وذل في اقتراف الجهل :

فيا امارتي بالسوء عودي

وتوبي ان ربي قد هواك

والا قد هلكت معي وصرنا

الى نار بما كسبت يداك

وعندما دخل بنعمارة عالمه الاصفى الذي ارتاحت اليه نفسه واسترخت على افاق جوارحه بدأ نزبفه الشعري يأخذ منحا جديدا يختلف تماما عما كان فيه :

   (كلماتي ..

ليست خارج ذاتي

واللحظة ..

في محراب الحرف

دخول

في الزمن العاتي

لا أكتب إلا بدمي

أو ما تلهمه صلواتي

لست الفارس

لكن الشعر – حصان

 تركبه شطحاتي                            وقد استسلمت جوارح بنعمارة ، واستقرت في مكانها وزمانها عبر الافق الكبير الذي يشع نورا

 مقتطفات من قصائده :

جسدي خابيةٌ، والروحُ القَطْرةُ تنشر تسْبيحي          (1)

إنهما اثنانْ..

يمدّان إليَّ سواقِي الغُرْبةِ، ويحدِّثني عرشُها:

ها أنتَ كريحٍ تمْرق في الصحراءْ

وتدفَعُك لغاتُ الكشف إلى واديكَ الملتفِّ بوحشتِهْ

وتشقُّ جهاتٍ لم يعرفْها العَرّافونْ

وتهرُبُ من بين الطين وترْتدُّ إليَّ

فأُصْغي.

 (2)

                                                                            بينهما تنبُت ذاتي كالنخلةِ

تسْتمْطرُ غيْم الصَّبَواتِ

وترقى في ليلةِ وحْدتنا:

-أنتَ الجسدُ الموصُولُ

وأنتَ الماءْ

أنتَ الراءُ، وأنتَ الواوُ، وأنتَ الحاءُ

أنتَ النخْلةُ في جسد الصحراءْ.

(3) أنتَ لا تمْلك موْطنَك المَنْفيَّ

وتسكنُ جسمَك كالقوقعة التَّـسْبَحُ[1] في صمت عوالمْ

                                       قعر البحْرْ

أنتَ لا تملك سُحبًا متجوّلةً

                          لا حَوْلَ لكَ

ولا تملك من أمطار شتاءِ العام رَذَاذاً

وخَراجُك لا تمل

والحرْفُ اليانعُ يَذْوِي اللحظةَ بين يديْكَ

وهَزَلتْ فيه معاني عشقِكْ

يا أنتَ، الحُلمُ الممتدُّ مع النهْرِ

مِنَ النبْع إلى حيث تصبُّ أمانِي أطفالِ

                         الوطن الغارق في ليلِهْ.

                                                                      (4)

إلى أرض النبي أطير شوقــا --- ولست بطائر لكن قلبـي

يرفرف مثل عصفور تسامـى --- وما في القلب إلا الله ربي

  سريان حب الله في شغاف القلب: يقول  

تدفق فيه كالـدم حب ربـي --- فحلق ثم رفرف ثم تاهـا

وقد استسلمت جوارح بنعمارة للحب الالهي   ،  واستغرق في  العالم النوراني

لقد اصبحت ذاته منفصلة تماما عن عالم الظلمة في الحياة الدنيا

وراح ينهل من صفاء الروح المطهرة  بعشق الرب ،  ويشرب من خمرة عنفوان تجلياته ، فراح يختلي  بنفسه ، يبتعد عن كل ما يتصل

 بهفوات المادة الفانية .. ولكن ياترى .. هل حصل بنعمارة على مايريد او ما تريده الروح الصاخبة البريئة والتي جرفتها رحلة البحث عن الخلاص  ؟

نعم  لقد وجد ه1ا النعيم المنور ، بعد ان احب الذات الالهية حبا مطلقا :

ياسيدي وحبيبي

يا من يراه القلب نورا يتجلى

في رحاب الحب

صار الحب احلى

والحب الذي يرتفع الى اسمى الدرجات ، ويحاكي الله باروع الكلمات ، وهي تنفلت من اعماق اعماق السمو ..  ( انه الميل الدائم بالقلب الهائم ،واثبات المحبوب على جميع المصحوب  وموافقة الحبيب في المشهد والمغيب  ومحو المحب بصفاته واثبات المحبوب بذاته ومواطأة القلب لمرادات  اغرب وترك الحرمة مع ملازمة الخدمة)

-فاروق شوشة –اللحن الحزين –قصيدة في الحب الالهي –دار الشروق-


مشاهدات 36
الكاتب مهند الياس
أضيف 2025/05/10 - 1:42 PM
آخر تحديث 2025/05/11 - 6:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 306 الشهر 12933 الكلي 11006937
الوقت الآن
الأحد 2025/5/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير