الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
برامج التواصل الاجتماعي تهدّد استقرار الأسرة

بواسطة azzaman

برامج التواصل الاجتماعي تهدّد استقرار الأسرة

سدير حسام كريم

 

   جميعنا يعلم أن منصات التواصل الاجتماعي أضحت جزء من حياة الأسر الحديثة؛ ولكن وكما نرى فإنها تعيد تشكيل أنماط التفاعل بين الأفراد, بينما التأثيرات السلبية للاستخدام المبكر للتكنولوجيا، كما كانت وسائل الاتصال الحديثة، باتت تشكل تهديدا للتوازن الأسري وتقليص مساحة الحوار العائلي.

 وبعد اجراء دراسة ميدانية شملت عينة الدراسة 200 أسرة عراقية ظهر أن أكثر من ثلثي العيّنة يستخدمون مواقع التواصل لأكثر من أربع ساعات يوميًا، فيما أشار أكثر من نصفهم إلى انخفاض مستوى الحوار العائلي,  وعبّر 43% من الأزواج عن فتور في العلاقة الزوجية بسبب انشغال الطرف الآخر بالتطبيقات الرقمية, وهذه الدراسة تحتاج الى موضع اهتمام .

     هذه الأرقام تكشف عن تحوّل خفي في بنية العلاقات الأسرية، حيث يهيمن (الحضور الرقمي) على (الوجود الحقيقي)، ويحلّ التفاعل مع الشاشات محلّ التفاعل الإنساني المباشر, وتبرز مخاوف حقيقية من أن يتحوّل أفراد الأسرة إلى جزر معزولة داخل ذات البيت الواحد، يتبادلون الرسائل أكثر ممّا يتبادلون النظرات, والأرقام الجديدة لا تعكس استمرار بعض أشكال التواصل الأسري, ولا تزيد تواجد الأبناء في المنزل, بل تروي صوت الأبواق تحت سيطرة سحر الشاشات والألعاب.

      وهناك تباين في التأثير المترتب على الذكور والاناث, يكشف التحليل الاجتماعي أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير نفسي لا يقع بالتساوي على الذكور والإناث، بل يختلف في طبيعته وحدّته:

الإناث: خاصة في سن المراهقة، أكثر عرضة للضغوط النفسية الناتجة عن المقارنات الاجتماعية، ومشاعر النقص، والاكتئاب الرقمي, كما أنهن أكثر تفاعلاً مع المحتوى العاطفي والمظاهر الاجتماعية، ممّا يزيد من التوتر والانفعال.

الذكور: من جانبهم، يُظهرون ميولاً أكبر نحو الانفصال عن الواقع، وإدمان الألعاب والمقاطع الترفيهية، ما ينعكس سلبًا على مشاركتهم الأسرية، ومستوى التركيز الدراسي أو المهني, وغالبًا ما لا يُفصح الذكور عن معاناتهم النفسية، ممّا يجعل تأثير هذه البرامج خفيًّا وخطيرًا.

حلول ومقترحات واقعية

في ظل هذا التمدّد الرقمي داخل الحياة الأسرية، تبرز الحاجة إلى تدخلات تربوية ومجتمعية للحد من الآثار السلبية، ومن أبرز الحلول المقترحة:

إطلاق حملات توعية مجتمعية, وتكون هذه الحملات عبر المدارس والإعلام، وتسلط الضوء على مخاطر الإفراط في استخدام مواقع التواصل، خاصة لدى فئة الشباب.

تحديد قواعد منزلية ذكية: لاستخدام الهواتف، مثل: إيقافها أثناء الوجبات أو اللقاءات العائلية.

تعزيز ثقافة الحوار العائلي: وتشجيع أفراد الأسرة على سرد مشاعرهم وتجاربهم بشكل مباشر، بعيدًا عن الوسائط الافتراضية.

قدوة الوالدين: في الاستخدام المعتدل للأجهزة؛ لأن الأبناء يقلدون السلوك أكثر ممّا يستجيبون للنصائح.

إشراك الأسرة في أنشطة جماعية واقعية: مثل الرحلات، المطالعة، أو حتى اللعب الجماعي داخل البيت، لإعادة خلق روابط حقيقية.

إدخال مفاهيم التربية الرقمية في المناهج التعليمية: منذ المرحلة الابتدائية، لتأسيس وعي مبكر حول الاستخدام المسؤول للتقنيات الحديثة.

خاتمة

إن التحدي الذي يواجه الأسرة العراقية اليوم – كما العديد من الأسر العربية – لا يكمن في سيطرة التكنولوجيا, بل في غياب البدائل التربوية والتواصلية التي تعيد للأسرة دفء التفاعل الإنساني, ولهذا فإن حماية الاستقرار الأسري لم تعد مسؤولية فردية، بل هي قضية مجتمعية تستدعي استجابة مؤسسية متكاملة، تبدأ من البيت، وتمر بالمدرسة، ولا تنتهي إلا بإعادة صياغة علاقة الإنسان بعالمه الرقمي، بما يضمن له التواصل... لا الانفصال.

 

 


مشاهدات 73
الكاتب سدير حسام كريم
أضيف 2025/05/07 - 3:44 PM
آخر تحديث 2025/05/09 - 11:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1243 الشهر 11191 الكلي 11005195
الوقت الآن
الجمعة 2025/5/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير