المعلم بين قدسية الرسالة وغياب الحماية
هند الحافظ
في وطن تنهشه الأزمات، يبقى المعلم آخر القلاع التي تقاوم الانهيار. لكنّ هذا الرمز التربوي يواجه اليوم تهديدًا صريحًا لكرامته وسلامته، في ظل تزايد حالات الاعتداء عليه داخل المدارس وخارجها، وسط صمت رسمي ومجتمعي مقلق.
المعلم العراقي، رغم تدني الرواتب وسوء البنى التحتية، لا يزال يؤدي رسالته النبيلة، لكن دون حماية قانونية أو معنوية كافية. فكيف نطالب بجيل واعٍ ومتعلم، إذا كان مربيه مهددًا ومهانًا!!
يُعد المعلم حجر الأساس في بناء الأجيال وصناعة المستقبل، فهو من يزرع القيم، ويغرس العلم، ويُسهم في تشكيل وعي المجتمع. إلا أن هذه الرسالة السامية، التي لطالما كانت موضع احترام وتقدير، تواجه في العراق اليوم تحديات جسيمة تهدد كرامة المعلم وأمنه، وتنعكس سلباً على العملية التربوية برمتها.
في السنوات الأخيرة، شهد العراق تزايدًا مقلقًا في حالات الاعتداء على المعلمين، سواء كانت لفظية أو جسدية، من قبل بعض الطلبة أو أولياء الأمور. هذه الظاهرة لا تعبر فقط عن أزمة احترام لدور المعلم، بل تكشف أيضًا عن غياب تشريعات واضحة ورادعة تحميه وتوفر له بيئة عمل آمنة. إن السكوت عن هذه الانتهاكات أو التهاون في التعامل معها يرسل رسالة خاطئة تهدد هيبة التعليم .
المعلم العراقي اليوم لا يواجه فقط مخاطر الاعتداء، بل يعاني أيضًا من ظروف مادية صعبة، وقصور في البنية التحتية للمدارس، وغياب الدعم النفسي والمعنوي. ورغم هذه التحديات، ما يزال الكثير من المعلمين يواصلون أداء رسالتهم بروح من المسؤولية والوطنية.
إن المطالبة بحماية المعلم ليست ترفًا أو مطلبًا شخصيًا، او مطلباً نقابياً بل هو ضرورة وطنية لضمان استقرار النظام التعليمي، وتحقيق التنمية المستدامة، لبناء وطن يحترم العقول والمعرفة، ويؤمن بأن لانهضة دون تربية ولاتربية دون معلم مكرّم وآمن، أننا بحاجة عاجلة إلى تفعيل قوانين صارمة وتشريعات واضحة تحمي المعلم من الاعتداء وتفرض احترامه داخل المجتمع وتعيد له مكانته وهيبته، وعلى الإعلام أن يلعب دوره في تسليط الضوء على قضاياه وأن يساهم في توعية المجتمع بأهمية دعمه واحترامه، ومطالبته بتربية أبنائه على احترامه وتقديره، فللاسرة دور كبير أيضًا في تعزيز ثقافة الاحترام للمعلمين، وغرس ذلك في نفوس الأبناء منذ الصغر.
وختماماً ..المعلم للشعوب حياتها ودليلها في غرس القيّم .. فإذا أردت أن تعرف أخلاق أمة .. سل عن معلميها .. فلا يمكن لمجتمع أن ينهض أو لوطن أن يتقدم دون أن يُنصف معلميه. فالمعلم هو القائد الأول في معركة الوعي، وأي مساس به هو مساس بمستقبل الوطن.