وفاة الكابتن فائزة العزاوي رائدة الطيران.. عندما ترتقي المرأة سلم المجد والإبداع
موسى عبد شوجة
لم يعرف التاريخ بقعة على وجه الأرض كالعراق؛ مهد الحضارات، وأرض العلم، وشمس الروحانيّة، وموطن الصالحين، وقبلة العظماء، فالعراق جَمَعَ المجد من كافة أطرافه، واستطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب على صفحات التاريخ، حتى باتت هذه البقعة الأكثر تميّزاً، وألقاً، وإشراقاً من بين سائر بقاع الأرض، ولا يزال الخير باقياً فيها إلى آخر الدهر..
نعم...من اديم العراق نمت المرأة..وتعمقت جذورها نحو اسلافها...وتصاعد فيها نسغ المجد والكرامة والشموخ.
اذ تعد المرأة العراقية في كل أحوالها الحياتية والعلمية والثقافية والابتكارية انموذجا مشرقا للإبداع في كل مناحي الحياة، فالإبداع والقدرة على الابتكار وايجاد الحلول للمشكلات والقدرة على التجديد والتحديث والتطور في المجتمع الانساني، وقدرة المرأة العراقية تجاوزت التحديات وتخّطت العقبات الاجتماعية والثقافية لإثبات ذاتها وجدارتها وقدراتها الفائقة على الصمود والصعود في مدارج الارتقاء وسلّم الابداع .أن المرأة العراقية مبدعة حتى.. وهي تلهم الشاعر قيثارة انغام قصائده، مبدعة وهي تتجلى في كينونتها ذرا التطلع والشموخ المفعم بالأمل في صياغة قلادة التباهي بغراس الوطن وخصوبة مجده واستقراره وأمانه،وتقدمه ونهوضه.
نعم ... شامخة مبدعة..وهي تحلق بفضاءاتها وغموضها وسكونها ورقتها وشدتها وتمردّها وحنانها فتصبح مصدراً للحكاية والرواية،والافتخار... ان المرأة العراقية.. هي شهرزاد القادرة على لجم شهريار مهما كانت قوته وعنفوان سلطانه.
ومن بديع صنع الله في المرأة العراقية قدرتها على مواجهة التحديات واثبات الذات
ان الابداع قرين لحظة اختيار ومناخ حر من كل القيود.. ينطلق فيه الفكر والخيال الى فضاءات لا نهائية.
بحيث لا ينضج الى ابداع كما الثمار على الاشجار لا تنمو ولا تأتي اكلُّها دونما بيئة ملائمة لنضجه، ..وحينما نتطلع في ما صادف المرأة .. سنلاحظ بالطبع عانت منذ فجر التاريخ أولا من الوأد، ثم من التضييق الاجتماعي والمناخ الخانق لحريتها تحت مظلة العيب الاجتماعي والموروث الثقافي الذي يجعل المرأة في مرتبة أدنى من الرجل عقليا وثقافيا وابداعيا
لذا فقد انكسرت القيود وتحررت كي تلعب المرأة دورًا أساسيا في نهضة المجتمعات الإنسانية منذ تباشير الاسلام وسطوعه الى وقتنا الحاضر وقد تمكنت المراة من خلال هذا الدور اثبات قدرتها على احداث التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فدورها المميز في جوانب متعددة في الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيًا ومهما في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
واحة خضراء
إن التغيير الايجابي الذي تسعى له المجتمعات يرتبط بشكل أساسي بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع... وما شدني لكتابة مقالي هذا هو..امتداد بصري وانا ارى في واحة خضراء لأم الحضارات...ذلك الغراس الطيب..الطاهر الذي تتدلى باغصانه..زهرة نرجسية
بحيث...فاحت ..بعطر تألقها..وعطائها بعد أن أرتوت من معين دجلة..وحاكت سرب نوارسها المحلّقة فوق زبد موجها الذي يتغنّج بمداراته..وهديره.....
وها هي ضفائر ضفاف دجلة الخير...الممتدة على..بساتينها التي لطالما...فتحت ذراعيها بشغف لتمّس مدّ وجزر فيض سلسبيلها العذب..الطاهر....هكذا نما هذا الغصن الواعد ليحمل هذا الاريج المتداخل من رحيق امنيات..وكوثر طموح..عابق نعم فراشة بأجنحة شفافة مذهبة حلقت بسماء بغداد..وهي تحاكي سحباً لغيثٍ موعود...نعم هكذا نشأت وترعرت المرأة العراقية.الزاخرة بالمرؤة والعطاء..(فائزه العزاوي) وهي تتداخل في يقظتها... حزمة احلام واماني منذ..صبابتها ..وبواكير سني عمرها... للطيران حينما كانت ترمق الطائرات في سماء بغداد . .. وهي ترفع منديلها الابيض لاجنحتها المرفرفه الملونه بربيع واحاتها.... لتبث فيها عصارة شوقها اللاهب ...وحلمها الموعود..كي تحصى يوماً..ما في قيادتها..لتجوب عباب..زمنٍ.اكتظت به ملاحم التحدي... لتقتفي معاقل المجد والخلود...نعم كان والدها رغم تعليمه البسيط...وتواضعه وغنى روحه كان مشجعاً..وداعماً لأماني برعمته..وفسيلته...المتطلعه..لمواسم الخير وبركاته.. هكذا..تمكنت..ان تبني سلّماً لترتقي به إلى قناة المجد والعطاء وهي تهرولُ على مدارج العروج بطائرةٍ نسجت هيكلها وامتداد اجنحتها من صميم شغاف فؤادها النابض المغمس بطراوة دمها القاني الممتزج بشهيق وانفاس وطنها...حتى نالت وسام التوفيق حينما كانت في الصف الرابع الإعدادي عام 1977 في دورة طيران مؤسسة الشباب، في مطار المثنى..والتي بعد ذلك غمرتها بقارورة أريج الفرح والسرور لترشد وتوجه شراع طموحها الصاعد إلى إكمال دراستها الإعدادية والالتحاق بكلية القوة الجوية عام 1979..وتقطف ثمار تخرجها سنة 1982 بدورة 37...وبرتبة ملازم طيار وهي أول امرأة عراقية وبعد ذلك وصلت إلى رتبة نقيب طيار وأصبحت كرائدة من نساء العراق التي جابت وطافت في سماء العراق.... وهي تقود طائرة نفاثه..ومن ثم قادت العديد من الطائرات المتطورة والحديثه...وهي تحلق..في سما العراق..بكل فخرٍ وغزٍّ..وسؤدد..
وبعدها أصبحت مدربة كفوءه للطيران في كلية القوة الجوية وتخرج على يدها الكثير من صقور العراق الذين باتوا نجوما..وهاجة في سماء الخلود....
بيادر النصر
نعم انها الكابتن فائزه العزاوي رائدة الطيران في العراق التي تركت بصمتها للاجيال كمنهجاً للعطاء والابتكار والشكيمة وملهمة لبيادر الصبر وجبلا أشم لايأبى بعواصف العناء والنصب.. ومحفلاً لسعي حثيث لخدمة بلدها العراق الحبيب...فهي ملح اديم العراق...وفخره وقلادته المزركشه..بزمرد الأمل..وياقوت العطاء والطموح...هكذا...يجب أن تُنسِخ..سيرتها المضيئة بشعاع الإيثار والمثابرة على جدار ولوحات ذاكرة مدارس الاجيال...وسلاماً..سلاماً.. والف تحية واكبار..لها ..ولخدمتها الولوده التي انجبت على يدها فحول الصقور ..واشاوس الجو..وهكذا ختمت سجلها الحافل لتحط في ركاب أسرتها وضناها الثلاثه(مروان..وسنان..وغزوان)..بعد أن تركت ارثاً.. بتاريخ العراق الحديث وشموخه وتوهجه...وهو يتباهى..بأفذاذه الميامين..وحماته..وقلاع مرؤاته وامجاده.