الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التحرّكات العسكرية الأمريكية بالشرق الأوسط

بواسطة azzaman

في إطار الولوج العملياتي المشترك

التحرّكات العسكرية الأمريكية بالشرق الأوسط

عماد علّو الربيعي

 

المقدمة

اتسمت البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط منذ أربعة عقود بالاضطرابات والتوترات، المختلفة، اذ تمظهرت أسبابها الأساسية، بالحكومات الهشة، التي واجهت ولا تزال تحديات الشرعية والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلا» عن اقتصادات راكدة، وصراعات متفشية ومعقدة تُديم انعدام الأمن؛ تمييز اجتماعي وقانوني متأصل ونقص في فرص العمل، وتقلص مساحة المجتمع المدني، في وسط عجز واضح عن مواجهة أزمة التغيرات المناخية، التي تجلب تفاقم الجفاف وعدم الاستقرار. لهذه التحديات آثار على جميع القطاعات وتؤثر بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة.

      ودائما يركّز التعريف التقليدي لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على ضمان التدفق الحر للموارد الطبيعية والحفاظ على العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين وحمايتهم من التهديدات الخارجية، وفي مقدمتهم إسرائيل، من خلال ضمان تأثير وتنفيذ وصول العمليات العسكرية الأمريكية، الى منطقة الشرق الأوسط، حيث تواجه مقاومة شرسة من لدن  بعض القوى الإقليمية في المنطقة. وهذا ما سنحاول القاء الضوء عليه في هذا المقال.

 تغير البيئة الإقليمية

 شهدت البيئة الإقليمية، تغيرات عدة من ناحية طبيعة التهديدات التي تواجهها، وهويات أقرب شركاء أمريكا في الشرق الأوسط قد تغيرت منذ أيام استراتيجية «الركائز المزدوجةTwin Pillars « خلال الحرب الباردة، عندما كانت إيران والمملكة العربية السعودية حصنًا منيعًا ضد النفوذ السوفيتي وحجر الزاوية في جهود الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الاوسط. كما تغيرت العلاقات بين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بشكل واضح، فإيران والعراق، اللتان كانتا على خلاف وتورطتا في صراع في ثمانينيات القرن الماضي، أصبحتا الآن متقاربتين بشكل وثيق. كما ضعفت الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي. في وقت تتطلع هذه الدول الى روابط مختلفة مع إسرائيل تحت عنوان وفي اطار الاتفاقيات الابراهيمية والتطلع الى شرق أوسط جديد! من جهة أخرى أدى صعود التنين الصيني، وتعافي الدب الروسي كمنافسين استراتيجيين عالميين ومؤثرين إقليميين، واستمرار نفوذ إيران، كل ذلك شكل تحديات استراتيجية للنفوذ والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

الولوج العملياتي المشترك JOAC

 شكلت الدروس المستنبطة من حرب الخليج الثانية (1990- 1991)، أساسا» للفت انتباه صناع القرار السياسي والقادة العسكريين في الولايات المتحدة الى ضرورة ضمان عدم إعاقة جهود أو تحركات القوات الأميركية لإقامة وجود عملياتي داخل مناطق الاهتمام البرية أو المائية، لمواجهة التحديات والتهديدات التي يفترض أن تحاول منع القوات العسكرية الأميركية من ولوج مختلف مناطق العالم ذات التأثير على الأمن القومي الأمريكي والمصالح الامريكية العليا، وذلك بالاستخدام المشترك لجميع عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والمخابراتية، بالشكل الذي أضاف للعقيدة العسكرية الامريكية بعدا» جديدا» في أسلوب الاستخدام المشترك للقوات البحرية والجوية وسلاح الصواريخ الموجهة العالية الدقة، الصواريخ الصغيرة، المدفعية، واسلحة الدفاع الجوي، والألغام، وأسلحة الدمار الشامل، أو أي من عناصر حرب العصابات والقوات الخاصة، بما يضمن ولوج القوات الامريكية أي موقع أو مسرح عمليات على الأرض أو في الجو أو في الفضاء أو البحر أو في مجال الإنترنت، واستمرارية وجودها فيه. ومن الجدير بالذكر أن الجنرال مارتن دمبسي، رئيس مجلس قيادة رؤساء الأركان تبنى ترسيخ هذه المفاهيم في العقيدة العسكرية الامريكية عندما أطلق في 17 كانون الثاني من العام 2012، تصورًا جديدًا تحت إسم مفهوم الولوج العملياتي المشترك JOINT OPERATIONAL ACCESS CONCEPT (JOAC). علما» أن الجنرال دمبسي قاد فرقة المدرعات الأولى في بغداد، في عام 2003، وقاد عملية تشكيل وتدريب الجيش العراقي الجديد الذي تشكل في الربع الأخير من عام 2003، وكان لخدمته في منطقة الشرق الأوسط الأثر الكبير على أفكاره التي حاول تطبيقها من خلال مفهوم الولوج العملياتي المشترك (JOAC).

الولوج الى الشرق الأوسط

 قد يعتقد البعض أن الولايات المتحدة موجودة أصلا» في منطقة الشرق الأوسط من خلال القواعد والتسهيلات العسكرية المنتشرة في بعض دول الشرق الأوسط، الا أننا ينبغي أن نفهم أن الولوج العملياتي المشترك ((JOAC، هي عمليات عسكرية تستخدم فيها جميع عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والمخابراتية، وهذا ما نلاحظه ونلمسه من الأحداث التي أعقبت 7تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما شنت حركة حماس الفلسطينية هجومها الذي اطلقت (عملية طوفان الأقصى)، وكما يلي:

سارعت واشنطن الى ارسال قوات بحرية وبرية وجوية كبيرة ضمن هدفها المعلن بـ»حفظ استقرار المنطقة ومنع توسع الصراع»، تتقدمها مجموعة أكبر حاملة طائرات في العالم « يو أس أس جيرالد فورد» وطراد الصواريخ الموجهة «نورماندي»، بالإضافة إلى مدمرات صواريخ موجهة؛ منها «ثوماس ثندر» و»هندر» و»راماج»، و»روزفلت».

اسراب طائرات

أما جواً، فقد عززت الولايات المتحدة أسراب الطائرات المقاتلة من طراز «F-35» و»F-15» و»F-16» و»A-10» التابعة للقوات الجوية الأمريكية في المنطقة. كما أرسلت الإدارة الامريكية مجموعة حاملة الطائرات «أيزنهاور» بهدف «ردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل أو أي جهود لتوسيع هذه الحرب»، وتضمنت هذه المجموعة؛ طراد الصواريخ الموجهة «فيليبين سي»، ومدمرات الصواريخ الموجهة «جرافلي» و»ميسون»، والجناح الجوي الناقل مع تسعة أسراب طائرات مقاتلة. بالإضافة الى تعزيز قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بإرسال قوات خاصة ونشر بطاريات الدفاع الطرفية للارتفاعات العالية «ثاد»، إلى جانب بطارية «باتريوت» إضافية، في مواقع مختلفة من الشرق الأوسط.

 أطلقت واشنطن عملية بحرية جوية تحت اسم «حارس الازدهار Guardian of Prosperity «، استهدفت مواجهة التحديات الأمنية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن بشكل مشترك، التي شكلها الحوثيين في اليمن. كما عززت الولايات الامريكية عملياتها المشتركة في الشرق الأوسط في عام 2024، بطرادات ومدمرات إضافية قادرة على الدفاع الصاروخي الباليستي، فضلاً عن نشر سرب مقاتلات إضافي في الشرق الأوسط. كما عززت واشنطن قواتها في الشرق الأوسط بمجموعة حاملة الطائرات « يو أس أس ابراهام لينكولن «، بالإضافة الى مجموعة «واسب» البرمائية الجاهزة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك بتوجيه غواصة الصواريخ الموجهة «جورجيا». وفي نهاية عام 2024، ومطلع عام 2025، وصلت حاملة الطائرات «هاري إس ترومان» بالإضافة إلى مدمرتين تابعتين للبحرية الأمريكية وطراد من نورفولك بولاية فرجينيا، إلى الشرق الأوسط. وقد حافظت الولايات المتحدة حافظت على وجود عسكري متزايد في الشرق الأوسط طوال العام 2024، «مع حوالي 40 ألف جندي، وما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة حربية وأربعة أسراب طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية، منتشرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وقد رافق كل ذلك دعم اقتصادي كبير وتحركات دبلوماسية أمريكية في المنطقة لدعم إسرائيل وبقية حلفائها في الشرق الأوسط.

في اطار عمليات الولوج العملياتي المشترك دعمت الولايات المتحدة الامريكية، تجدد الهجوم الإسرائيلي في 19 آذار/مارس 2025، بعد أن نقضت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ في 19 يناير/كانون الثاني 2025، وبدعوى استراتيجية الضغط القصوى التي أراد تنفيذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد ايران بحجة دعمها للحوثيين في اليمن. حيث سارعت أمريكا الى تعزيز ولوجها المشترك باتجاه الشرق الأوسط، بتعزيز دفاعاتها الجوية بعيدة المدى المتطورة «ثاد» في عدد من دول الخليج ، وتعزيز الأصول الجوية من الطائرات العسكرية لمواجهة التهديدات الحوثية للسفن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر، كما قامت واشنطن بتعزيز القاعدة العسكرية الأمريكية في أرخبيل #تشاغوس #بقاذفاتB2الشبح العملاقة ذات الحمولة الضخمة، بالإضافة إلى عشر طائرات إرضاع جوي، ووضعها بإمرة القيادة الوسطى في الشرق الأوسط، ونشر 5 قاذفات ستراتيجية شبحية طراز B2، و6 قاذفات عملاقة طراز  B52, بالاضافة الى قاذفتين من طراز B1, في قاعدة دييغو غارسيا. ونشر 4 أسراب من الطائرات المقاتلة تشمل: ‏16 طائرة من طراز F22، و‏16 طائرة من طراز F15، ‏16 طائرة من طراز F16، وكذلك ‏16 طائرة من طراز A10، وبالإضافة إلى ما تحمله حاملات الطائرات في. المنطقة فسيكون المجموع 290 - 300 طائرة مقاتلة تقريباً.

الخاتمة

 خلاصة القول أن عمليات الولوج العملياتي المشترك (JOAC)، تعكسها عمليات التحشد الامريكي في منطقة الشرق الأوسط، المستمرة بالتصاعد كل يوم بحسب المؤشرات في مسرح العمليات من نقل للقوات الجوية والقطع البحرية ونشر الأسلحة والقدرات بشكل مستمر، مما يدل على أن الغاية من منهج الولوج العملياتي المشترك JOAC في الشرق الأوسط، يهدف الى التغير في الخارطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، تخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط.. ولكني أعتقد أن هناك احتمال ضئيل بأن تتمكن عمليات الولوج العملياتي المشترك (JOAC)، وقد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لإرسال المزيد من القوات إلى ساحات العمليات في الشرق الاوسط على الرغم من أن التجربة تشير إلى أن التدخل واسع النطاق في مثل هذه الصراعات من المرجح أن يُسفر عن نتائج مخيبة للآمال.

 

 باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية


مشاهدات 190
الكاتب عماد علّو الربيعي
أضيف 2025/04/19 - 12:31 AM
آخر تحديث 2025/04/20 - 12:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 61 الشهر 19987 الكلي 10900634
الوقت الآن
الأحد 2025/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير