الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تصفية بشير خالد أنموذجاً.. الواقع يسقط المتهم بريء حتى تثبت إدانته

بواسطة azzaman

تصفية بشير خالد أنموذجاً.. الواقع يسقط المتهم بريء حتى تثبت إدانته

احسان باشي العتابي

 

في الدول التي تسودها العدالة بنسبة كبيرة ،فضلا عن المطلقة، ثمة قاعدة قانونية مقدسة تقول: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”،هذه القاعدة القانونية ليست طرفة قانونية ولا شعاراً دعائياً، بل هي حجر الزاوية في فلسفة العدالة الحديثة على وجه الخصوص جوهر هذه القاعدة يقوم على مبدأ أن عبء الإثبات يقع على عاتق الأجهزة المختصة في الحكومة بشكل رئيسي، وليس على الفرد أن يثبت براءته والهدف منها هو منع تسلط ذو الضمائر الميتة في الأجهزة الامنية الحكومية على الأفراد وبالنتيجة تتحول تلك الأجهزة الامنية لأداة قمع وحشية بدلا من ان تكون اداة لتطبيق القانون،الذي يدفع باتجاه ترسيخ العدالة في المجتمع.

ان السلطة حين تتحول إلى خصم وجلاد، تسقط شرعيتها،

وحين تكون الأدلة آخر ما يبحث عنه، وتنتزع الاعترافات تحت التعذيب، فإن الحديث عن اجهزة امنية مهنية وقضاء عادل، يصبح عبثا او ضربا من الخيال؛ ولا معنى لتلك القاعدة حينها،لان الاجهزة الحكومية هي ذاتها من تخرق القانون،لتحول المعتقلات إلى مسالخ بشرية؟

سلطة تنفيذية

في الدول المحترمة ، تؤدي حالات التعذيب والوفاة داخل المعتقلات، إلى زلازل سياسية وقضائية ،بل قد تصل إلى اسقاط حكومات برمتها؛ اما في العراق، نادرا ما يعاقب مسؤول، ونادرا ما يكشف تقرير! يوسفني القول، ان السلطة التنفيذية ضعيفة، فهي تخضع لتأثيرات شتى! وغالبا ما تستخدم لحماية الجاني لا معاقبته! ولولا ان المقام لا يسمح ،لذكرت حالات كثيرة لتلك التأثيرات .ان غياب المحاسبة ،لا يعني فقط إفلات المجرم من العقاب الذي يستحقه ،بل يعزز ثقافة الإفلات، ويعطي رسالة واضحة ان (من في السلطة فوق القانون)!

وفي خضم تلك الانتهاكات الخطيرة ،فان السكوت المجتمعي والإعلامي، خاصة من النخب، يساهم في تطبيع ذلك القمع الممنهج! وحين تتحول الجرائم إلى أخبار عابرة، يتم ترسيخ فكرة أن هذه الحياة – بهذا القبح – هي “الطبيعي”.

يعز علي القول ،ان قاعدة « المتهم بري حتى تثبت ادانته «في العراق، لم تعد سوى عبارة فارغة من كل مصاديق الواقعية؛ مع الذين بلا سند سياسي، او عشائري ،او رصيد مالي كبير،او امراة مغرية ،لها الاستعداد ان تبذل نفسها لتفتدي به ذاتها ،او من يهمها امره! بل يحاكمه حتى المجتمع قبل القضاء، ثم بعد ذلك تحكم عليه الموسسة الامنية بالموت، حتى قبل ان تتبين ماهي تهمته إذا ما حضيت به لاي سبب!

السجون والمعتقلات في وطني العراق ،الذي شرع اول القوانين للعالم اجمع، تحولت إلى أماكن تصفية معنوية وجسدية ،خاصة لمن يشتبه بهم ،أو يصنفون»كأعداء « أو “مشتبهين” بلا دليل! وكما اسلفت ،إنها سياسة ممنهجة في القتل البطيء، يغلفها الخطاب الرسمي بلغة القانون، بينما تمارس خارج كل القوانين الوضعية ،فضلا عن السماوية التي يتبجح بها الكثير!

قبل الخوض في صلب القضية،التي نحن بصدد الحديث عنها، سأشير لامر غير خافي على الجميع بخصوصه، لاني اعتبره دليلا وشاهد عيان بذات الوقت، على المظلومية التي نحن بصدد الحديث عنها ؛فقد كشفت شهادات كثيرة ،ادلى بها معتقلون سابقون،وصفت السجون العراقية، خاصة السرية منها، بأنها أماكن لا تختلف عن ساحات الإعدام البطيء، الضرب المبرح، الصعق بالكهرباء، الإذلال اللفظي والجسدي، التجويع، والحرمان من العلاج، كلها أدوات ينتزع بها “الاعتراف”!

قضية المهندس الشاب بشير خالد، الذي بات يعرف «بشهيد التعذيب في السجون العراقية”، تكشف هذا الخلل البنيوي في أخطر صوره!  بشير لم يقتل في اشتباك، لم يحاكم في محكمة، لم يمكنه الدفاع عن نفسه، بل تم احتجازه، ثم تعذيبه، ثم الإعلان عن وفاته في ظروف غامضة؛ ليخرج لاحقا من يبرر وفاته، أو يبرع في التلاعب بعناوين الجريمة لتمويه الحقيقة. ان تلك التسمية التي أطلقت على ذلك الشاب البري، لم تأت من فراغ، بل من تراكم مرير لحالات مشابهة قد اشرنا لها في سياق الطرح!

حادث مؤسف

ان المهندس الشاب بشير خالد اعتقل، ثم ظهر خبر وفاته المفاجئة، مع علامات تعذيب واضحة، حسبما ورد في شهادات مقربين منه؛ لم يحظ بمحاكمة، ولا بمحام يدافع عنه، ولا حتى ببيان حكومي يوضح ملابسات ما حصل! وفاته لم تكن مجرد “حادث مؤسف”، بل جزء من سياقات متكرر كما نوهنا لهذا الأمر كثيرا ! ومع ذلك، ما زال الخطاب الرسمي يتحدث عن “التحقيق” و”اللجان” التي لا نتائج تعلن، وكأن القتل هو البداية، أما التبرير فهو المهمة الحقيقية!

وهنا لا بد من طرح تساؤلات ليست مهمة فقط،بل غاية في الخطورة:

*ما الفرق بين مؤسسة امنية تنفيذية وبين تنظيم خارج عن القانون إذا كانت الممارسة واحدة؟!

*ما الفرق بين دولة الموسسات والميليشيات حين يصبح الإنسان مجرد ملف يجب أن يغلق بأي وسيلة؟!

الخلاصة:

قضية بشير خالد لا تخص عائلته فقط، بل تمس كرامة وحياة كل عراقي، والأدهى انها لم تكن الاولى، حتى يبرر البعض الحادثة، والتي ربما لا تكون الأخيرة، لتؤكد على تساؤلات غاية بالأهمية كذلك:

*من يحمي المواطنين من أجهزة الدولة، التي يفترض بها أن تكون الدرع الحامي لهم لا سيفا مسلطا عليهم؟!

*واين دور القضاء ،والأجهزة الرقابية المختصة، بمثل تلك القضايا الخطيرة، التي تمس امن البلد وحياة الإنسان وكرامته؟!

إن ما حدث هذه المرة ،يجب إلا يمرر كسابقاته بل يوثق، ويدون، ويرفع كشهادة دامغة، على أن العدالة لا تزال غائبة، وأننا أمام اجهزة حكومية، تتعاطى مع القانون على أساس القوة بكل اشكالها لا الحق! وليفهم الجميع، ان لا دولة بلا عدالة، ولا كرامة لإنسان تحت سياط التعذيب؛ قضية بشير خالد يجب أن تكون جرس إنذار، لا مجرد صفحة تطوى، العدالة لا تكون انتقائية، ولا يجب أن تكون رهينة التوازنات السياسية.

المطلوب اليوم ليس فقط كشف الحقيقة، بل خلق وعي جمعي ،بأن ما يحدث ليس قدراً، بل نظاماً يمكن ويجب تفكيكه ،لانه يخدم بقاء من خدمتهم الظروف،لتسنم سلطة بعينها.

 

 


مشاهدات 225
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/04/14 - 4:02 PM
آخر تحديث 2025/04/23 - 2:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 451 الشهر 24199 الكلي 10904846
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير