العراقية سارة جاسم .. تهزم الألم بالأمل والتحدي
رجاء حميد رشيد
نقلبت حياة الشابة العشرينية سارة جاسم رأساً على عقب في ذلك اليوم من عام 2007 حين دوت الأرض بانفجار هائل لسيارة مفخخة امام الجامعة المستنصرية في جانب الرصافة في العاصمة بغداد تزامناً مع وصلوها مع زميلاتها لشراء مستلزمات دراسية، اختفت ضحكاتهن واحاديثهن، وحلّ محلها الركام والغبار والدوي المروع دون استطاعتهن ان يفهمن مايحدث ،وكانت بداية لحكاية مع الالم ،والتحدي ،والانتظار.تقول سارة والعبرات تخنقها وهي تتذكر ذلك الحادث الاليم الذي ترك لها عاهات مستديمة حيث اصيبت ركبتها اليمنى وتفاقمت الى التهاب مزمن مع ورم متكرر واجراء ثلاثة عمليات استئصال وأخذ جلسات علاج (اشعاع)،وانفتاح طبلة الاذن اليمنى نتيجة الالتهابات وفقدت 70بالمئة من حاسة السمع مما اضطرها للاستعانة بسماعات طبية.
توجهت إلى الجامعة في ذلك الصباح الباكر، ومعي بعض الزملاء لشراء الملازم الدراسية، وما هي إلا لحظات حتى سقطت الأرض من تحتنا، وساهم الانفجار في إصابتي في ركبتي اليمنى. بدأت المعاناة بآلام شديدة، ورغم محاولات العلاج، فقد تفاقمت الإصابة وأصبح الالتهاب المزمن يرافقني بشكل مستمر، تطور الوضع بشكل أسرع من أن أستوعب، وأدى إلى ظهور ورم متكرر في الركبة، مما استدعى إجراء ثلاث عمليات استئصال لتخفيف الألم والتور،لكن المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي الوقت الذي كنت أتعافى فيه من إصابتي الجسدية، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا في أذني اليمنى ،تراكُم الالتهابات أصاب الطبلة وأدى إلى فقدان 70بالمئة من سمعي، كانت تلك الصدمة الثانية، لم أكن أتخيل يومًا أنني سأضطر إلى ارتداء سماعة طبية لتستعيد جزءًا من قدرتي على السمع، أصبحت الحياة أكثر صمتًا، ومع كل خطوة، كنت أكتشف أبعاد الألم الذي لا يمكن ملاحظته إلا إذا كنت تعيشه،منذ تلك اللحظة، لم تكن الحياة كما كانت من قبل. ما بدأ كحادث عابر تحوّل إلى تحدٍّ طويل الأمد، رحلة من الألم، التحمل، والصبر على ما لا يمكن تغييره.واستعرضت سارة حياتها قبل الحادث قائلة: حياتي كانت تسير بوتيرة عادية، مزيج من الأحلام البسيطة والطموحات التي كنت أرسمها لنفسي مع كل يوم جديد، كنت طالبة جامعية، أحاول التعايش مع الظروف الصعبة التي كان يمر بها العراق، لكنني رغم ذلك كنت أجد في الدراسة متنفسًا وأملًا للمستقبل، كنت أعيش تفاصيل الحياة كما أي فتاة في عمري، بين الضحكات مع الزميلات، قلق الامتحانات، والأحاديث الطويلة عن المستقب،لكن الظرف في العراق آنذاك كان يغلي وكان الوضع الطائفي في أوجه، والمخاوف تتزايد يومًا بعد يوم بسبب القتل على الهوية ، فلم يكن المكان الذي نعيش فيه مجرد بيئة تعليمية، بل أصبح ساحة للخوف والتوجس من المجهول، في ظل هذه الأوضاع، تم تغيير مكان دوام كليتنا بسبب الوضع الامني ،حيث لم يعد المكان الذي كنا ندرس فيه سابقًا آمنًا لنا.
تفجير مزدوج
وتابعت سارة ، وفي ذلك اليوم من عام 2007 سقط أكبر عدد من الضحايا في تفجير مزدوج استهدف مدخل الجامعة المستنصرية شمال شرق العاصمة، وتسبب بمقتل نحو 70 شخصا على الأقل أغلبهم من الطلاب والموظفين كما أصيب 138 بجروح حسب ماتناولته الاخبار،كنت ذاهبة وقتها مع بعض الطلبة لشراء بعض الملازم الدراسية فأستيقظت كعادتي، وذهبت إلى الجامعة المستنصرية برفقتهما، لم يكن لدينا أي فكرة أن ذلك اليوم سيكون مختلفًا عن كل الأيام التي سبقته،في لحظة واحدة، شعرت وكأن الأرض اهتزت من تحتي، والغبار غطى كل شيء حولي، كان الألم لحظيًا، لكنه امتد إلى أعماقي واختفت الاصوات تماما من اذني بسبب الصوت الهائل ،الركام يتطاير ، الصدمة التي جعلت عقلي يرفض ما يحدث وتجمدت مكاني لعدم شعوري بقدمي من الرهبة والخوف ،كنت هناك، في قلب الحدث، أحاول أن أفهم كيف انقلب كل شيء ،في تلك اللحظة، لم أكن أفكر سوى في النجاة مع زملائي ولم اتمكن من سماع كلامهم من اين نذهب او مايحدث سوى ان زميلتي تسحبني وامضي مسرعة معهم وقدمي متنملة ،لم يكن ذلك مجرد انفجار، كان نقطة فاصلة وناقلة لحياتي بأكملها ، لحظة أعادت تشكيل نظرتي للحياة، للزمن، وللأمان الذي لم يعد موجودًا، ففي زمنٍ كانت الطائفية تمزق البلاد لم يكن هناك أحد في مأمن فالجميع معرضون للموت نحمد الله اننا إحياء لليوم التالي .
وعن التحديات التي واجهتها سواء على الصعيد الصحي البدني او النفسي قالت سارة،بعد الحادث، لم يكن من السهل استيعاب ما حدث أو التعايش مع تداعياته ،في الأيام الأولى، كنت غارقة بين الألم الجسدي والذهني، بين الكوابيس التي كانت تعيد المشهد أمامي كل ليلة، وبين التساؤلات التي لم أجد لها إجابة: لماذا كنت هناك؟ لماذا أنا؟ كيف أستمر بعد كل هذا؟
اصابات جسدية
على الصعيد الصحي، لم تكن الإصابات الجسدية هي الأصعب، رغم الألم الذي رافقني لأسابيع في اذني واقدامي ، كنت أحاول أن أُقنع نفسي بأن كل شيء سيلتئم وافكر من عاش ومن مات ولا يوجد وسائل تواصل سريعة سوى ان انتظر ان اعرف من شخص ما،استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أتمكن من العودة إلى حياتي اليومية، لكن حتى بعد أن اقنعت نفسي اني تعافيت ، ظل الخوف يسكنني.
أما نفسيًا، فكان الأمر أكثر تعقيدًا، أصبحت الضوضاء العالية تربكني، وأي صوت مفاجئ أو صراخ يجعلني أشعر وكأنني أعيش اللحظة من جديد، كنت أستيقظ ليلاً في نوبة هلع في ذاكرتي، وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة، حاولت أن أكون قوية، أن أتصرف كما لو أن كل شيء طبيعي، لكن داخلي كنت أحمل خوفًا لم أكن أعرف كيف أتجاوزه.وأكدت سارة بأنه لم يكن من السهل العودة إلى الجامعة وإكمال الدراسة بعد ذلك ،مجرد التفكير في الذهاب إلى المكان الذي شهد ذلك اليوم جعلني أشعر بالاختناق، لكنني لم أكن أريد أن أستسلم، شعرت أنني إن انسحبت، فإنني سأخذل من رحلوا عنا .. فقررت أن أعود،وجدت في الحديث مع الأشخاص المقربين متنفسًا، وفي الكتابة ملجأً أعبر فيه عن كل ما لم أكن أستطيع قوله بصوت عالٍ، شيئًا فشيئًا، تعلمت كيف أتعامل مع مخاوفي، كيف أعيش مع الذكرى دون أن تدمرني، أدركت أنني لست الضحية فقط، بل الناجية أيضًا، وأن الحياة، مهما كانت قاسية، تستحق أن تُعاش، حتى لو كان علينا أن نحمل معنا ندوب الماضي.وتتابع سارة حديثها ورحلة علاجها : كانت رحلتي مع العلاج طويلة ومؤلمة، امتدت لسنوات بين العمليات الجراحية داخل العراق وخارجه ،كل عملية كانت تحمل معها الأمل في التحسن، لكنها أيضًا كانت تذكرني بكل ما فقدته في ذلك اليوم، لم يكن الألم الجسدي وحده هو ما جعل هذه الفترة صعبة، بل أيضًا الإرهاق النفسي والشعور بأنني في معركة مستمرة من أجل حياتي السابقة،داخل العراق، كانت المستشفيات مكتظة، والأوضاع الطبية صعبة وهجرة الاطباء بالجملة و لم يكن الحصول على العلاج المناسب سهلًا، فالإمكانيات محدودة، والأطباء يعملون وسط ظروف قاسية، كنت أشعر أحيانًا أنني مجرد رقم آخر بين المرضى الذين يحملون جراح العنف الطائفي، لكنني كنت أتمسك بأي فرصة للعلاج والتحسن.
لكن وسط كل هذا، تعلمت أن القوة ليست في عدم الشعور بالألم، بل في القدرة على الاستمرار رغم وجوده. كل عملية، كل ندبة، كل ليلة قضيتها في المستشفيات كانت درسًا جديدًا في التحمل، كنت أرى أشخاصًا آخرين يعانون، بعضهم فقد أطرافه، بعضهم فقد أحبته، وكنت أدرك أنني لست وحدي في هذه الرحلة.
هذه التجربة لم تغير فقط حياتي، بل أعادت تشكيل شخصيتي، أصبحت أكثر وعيًا بقيمة الحياة، أكثر تقديرًا للأشياء الصغيرة التي كنت أعتبرها بديهية من قبل، تعلمت أن لا شيء مضمون، وأن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على النهوض بعد كل سقوط، والأهم من ذلك، تعلمت أنني لست فقط ناجية من حادث، بل ناجية من كل ما تلاه، من الألم، من الخوف، ومن الشعور بالعجز وحتى من الخذلان .
وعن ازماتها النفسية نتيجة فقدان عملها واحالتها الى التقاعد في سن مبكر جدا لاسباب صحية قالت سارة: إحالتي إلى التقاعد لأسباب صحية كانت واحدة من اللحظات الصعبة التي مررت بها، ربما لأنها كانت تعني أنني لم أعد أملك الخيار، وأن شيئًا آخر في حياتي قد سُلب مني بسبب ذلك اليوم المشؤوم ،كنت أشعر أنني ما زلت قادرة على العطاء، وأنني لم أكن مستعدة لوداع حياتي المهنية بهذه الطريقة، كانت الأزمة النفسية التي مررت بها أشبه بفقدان جزء آخر من هويتي، بعد أن فقدت الكثير بالفعل، كنت أشعر بالغضب، بالحزن، وأحيانًا بالإحباط المطلق ،تساءلت كثيرًا عن جدوى كل ما مررت به، وما إذا كنت سأتمكن من إعادة بناء حياتي مجددًا، لكنني أدركت لاحقاً، أن الاستسلام لم يكن خيارًا، وأن عليّ إيجاد طريقة جديدة للعيش، حتى لو كانت مختلفة عن الطريقة التي تخيلتها،منحت نفسي وقتًا للحزن فلم أحاول إنكار مشاعري أو التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، كنت أدرك أنني بحاجة إلى وقت لاستيعاب ما حدث، لم يكن من السهل مشاركة ألمي مع الآخرين، لكنني أدركت أن العزلة ستجعل الأمر أسوأ، تحدثت مع أشخاص مقربين، وأحيانًا مع أشخاص مروا بتجارب مشابهة ،لم أكن بحاجة إلى نصائح بقدر ما كنت بحاجة إلى من يسمعني دون إصدار أحكام.
وتابعت سارة،أعدت اكتشاف نفسي: كنت أعتقد أن العمل كان جزءًا أساسيًا من هويتي، لكنني بدأت أبحث عن طرق أخرى للشعور بالإنجاز، جربت الكتابة، القراءة، والعمل التطوعي، بدأت أدرك أن هناك طرقًا أخرى لأكون مفيدة، وأن التقاعد من الوظيفة لا يعني التقاعد من الحياة،اهتممت بصحتي العقلية والجسدية: بدأت أمارس الرياضة بعد التعافي وخصصت وقتًا يوميا لها، هذه العادات البسيطة ساعدتني في تهدئة عقلي وتخفيف القلق الذي كان يرافقني.كما وضعت أهدافًا جديدة لحياتي: أدركت أن حياتي لم تنتهِ، وأن بإمكاني رسم مسار جديد، بدأت في التفكير بمشاريع شخصية، بأشياء كنت أحبها ولم يكن لدي وقت لها من قبل.
وأشارت سارة إلى العديد من الاسباب التي ساعدتها والهمتها لتجاوز كل الازمات:عائلتي وأصدقائي كانوا النور الذي أبقاني واقفة في أحلك اللحظات، لم يكن الأمر دائمًا بالكلمات، أحيانًا كان مجرد وجودهم بجانبي كافيًا لأشعر أنني لست وحدي، كانوا يشجعونني عندما أفقد الأمل، يذكرونني بأنني قوية حتى عندما لم أكن أشعر بذلك،وخلال رحلة علاجي، التقيت بأشخاص مروا بتجارب أصعب مما مررت به، رأيت أشخاصًا فقدوا أطرافهم، فقدوا عائلاتهم، لكنهم ما زالوا يقاتلون ليعيشوا، كان ذلك دافعًا كبيرًا لي، إذا كانوا قادرين على الاستمرار رغم كل شيء، فلماذا لا أكون قادرة أنا أيضًا؟فبدلًا من أن يكون الماضي مجرد جرح، قررت أن أجعله قوة تدفعني للأمام.
في النهاية، أدركت أن الحياة لن تنتظرني حتى أكون مستعدة، ولن تعود إلى الوراء مهما رغبت في ذلك، كل ما يمكنني فعله هو أن أعيشها بأفضل طريقة ممكنة، أن أجد معنى حتى في أصعب اللحظات، وأن أواصل رغم كل شي،اليوم، ورغم كل ما مررت به، أشعر أنني أقوى مما كنت عليه من قبل، الألم لم يختفِ، لكنني تعلمت كيف أحمله دون أن يسمح له بأن يوقفني، لقد صنعت من ضعفي قوة، ومن خساراتي بدايات جديدة، وهذا أعظم انتصار لي.
وعن عملها حالياً مع منظمة مدنية متخصصة في شؤون المرأة، وكيف يمكن للمنظمات المدنية أن تساعد النساء اللواتي يمررن بتجارب مشابهة لتجربتكِ؟ قالت سارة :العمل مع منظمة مدنية متخصصة في شؤون المرأة جعلني أرى بشكل أوضح الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه المنظمات في دعم النساء اللواتي مررن بتجارب صعبة مثل تجربتي، النساء اللواتي تعرضن للصدمات، سواء بسبب العنف، الحروب، الأوضاع الأمنية أو حتى التحديات الصحية، بحاجة إلى دعم حقيقي يساعدهن على استعادة قوتهن والاستمرار، هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد بها المنظمات المدنية، وأهمها:الكثير من النساء اللواتي مررن بصدمات نفسية يشعرن بأنهن وحيدات في معاناتهن، وأن أحدًا لا يفهم ما يمررن به، يمكن للمنظمات توفير جلسات دعم نفسي، سواء فردية أو جماعية، لمساعدتهن على التعبير عن مشاعرهن ومعالجة الصدمات التي تعرضن لها. وجود مساحات آمنة للحديث والتعبير عن الألم يمكن أن يكون خطوة أولى نحو التعافي.
فمن المهم أن تشعر النساء بأنهن قادرات على استعادة حياتهن بعد الصدمة، وكذلك الاستقلال المالي هو أحد أهم العوامل التي تساعد المرأة على تجاوز الأزمات، يمكن للمنظمات توفير منح صغيرة، أو دعم مشاريع نسائية، أو حتى توفير فرص توظيف مناسبة للنساء اللواتي فقدن وظائفهن بسبب ظروف صحية أو اجتماعية.
في بعض الأحيان، التحدي الأكبر ليس الصدمة نفسها، بل نظرة المجتمع للمرأة التي مرت بها، يمكن للمنظمات إطلاق حملات توعية لكسر الوصمة الاجتماعية التي قد تواجهها النساء اللواتي تعرضن للعنف أو إصابات الحروب، وتشجيع المجتمع على دعمهن بدلًا من تهميشهن.
وعن تجربتها الشخصية التي ساعدتها في فهم أعمق لحقوق المرأة، قالت سارة:تجربتي الشخصية منحتني فهمًا أعمق وأوسع لحقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية والتحديات الصحية التي تواجهها النساء في المجتمعات التي تفتقر إلى أنظمة دعم قوية، لم يكن الألم الذي مررت به مجرد تجربة فردية، بل كان نافذة لرؤية كيف يتم التعامل مع النساء اللواتي يعانين من تحديات صحية ونفسية، وكيف يمكن تحسين هذا الواقع من خلال تعزيز حقوق المرأة في هذه المجالات.
قبل مروري بتجربة الصدمة، لم أكن أدرك تمامًا مدى تأثير الصحة النفسية على جودة الحياة كوني كنت في وسط عائلة محبة وداعمة واب مساند وام حنونة واخوة اصدقاء، ولا كيف يمكن أن تكون العوائق الاجتماعية والوصمة المرتبطة بها حاجزًا أمام التعافي بعد الحادث ، فقد واجهت الكثير من اللحظات التي شعرت فيها بالعزلة، وكنت أرى كيف أن المجتمع لا يعترف دائمًا بمعاناة المرأة النفسية، بل يعتبرها شيئًا ثانويًا أو مجرد “ضعف».
تجربتي جعلتني أدرك أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل حق أساسي يجب أن تتمتع به كل امرأة. ويجب على الأنظمة الصحية والمجتمعات دعم النساء من خلال توفير الرعاية النفسية المجانية أو بأسعار معقولة، ورفع الوعي حول أهمية العلاج النفسي دون خوف من الوصمة الاجتماعية.
فقد أدركت من خلال تجربتي أن وجود مساحات آمنة للنساء، سواء كانت مجموعات دعم نفسي أو منصات للتحدث عن تجاربهن، أمر ضروري لتعافيهن، ولهذا، أصبح من أولوياتي في عملي مع المنظمات النسوية تعزيز أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للنساء اللواتي يعانين من الصدمات والتحديات الصحية ،حيث شعرت بوضوح أن هناك نقصًا كبيرًا في الدعم المقدم للنساء اللواتي يعانين من ظروف صحية صعبة أو إصابات جسدية ونفسية، سواء على مستوى الرعاية الصحية أو الدعم النفسي والاجتماعي أو حتى على مستوى الاعتراف المجتمعي بمعاناتهن، هذا النقص لم يكن مجرد إحساس شخصي، بل واقع تعيشه الكثير من النساء اللواتي يواجهن تحديات صحية ويجدن أنفسهن وحدهن في مواجهتها.
هناك الكثير من النساء اللواتي يعانين من إصابات أو أمراض مزمنة يواجهن أزمات نفسية حادة مثل الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ولكن لا تتوفر لهن خدمات نفسية مناسبة ، في بعض المجتمعات، لا تزال الصحة النفسية من المواضيع المحرمة أو غير المعترف بها، مما يمنع النساء من طلب المساعدة خوفًا من الوصمة الاجتماعية،وهناك نقص في الخدمات الطبية التي تراعي خصوصية احتياجات النساء،وعدم توفر تأمين صحي يغطي تكاليف العلاج أو إعادة التأهيل، مما يترك العديد من النساء في مواجهة تحديات مالية كبيرة للحصول على الرعاية المناسبة،في كثير من الحالات، تجد النساء اللواتي تعرضن لإصابات دائمة صعوبة في الاندماج في المجتمع، سواء من خلال العمل، التعليم، أو حتى الحياة الاجتماعية،وعدم توفر بيئات عمل مهيأة لاستقبال النساء ذوات الإعاقة، مما يجعلهن عرضة للبطالة أو التهميش،الكثير من النساء اللواتي تعرضن لإصابات يفقدن وظائفهن أو قدرتهن على العمل بنفس الطريقة التي كن عليها سابقًا، لكن لا توجد برامج كافية لإعادة تأهيلهن أو تدريبهن على مهارات جديدة تساعدهن على الاستقلال المالي.
واختتمت سارة حديثها بتوجيه رسالة الى كل النساء العراقيات :
رسالتي إلى النساء العراقيات اللواتي يواجهن تحديات كبيرة في حياتهن هي أنكن لستن وحدكن، وأن القوة التي تحملنها في داخلكن أعظم مما تتخيلن، أعرف أن الحياة قد تكون قاسية، وأن الظروف أحيانًا تجبرنا على خوض معارك لم نخترها، لكنني أؤمن أن كل امرأة عراقية تحمل في داخلها روح الصمود، وأنكن قادرات على تجاوز الألم والمحن مهما كانت شدته،.من حقكِ أن تشعري بالتعب، أن تبكي، أن تعترفي بأن ما مررتِ به كان صعبًا، لكن في الوقت نفسه، لا تسمحي لأحد أن يقلل من معاناتكِ أو أن يخبركِ أن الألم الذي تشعرين به “يجب أن يمر سريعًا”. الألم ليس ضعفًا، والتعب ليس استسلامًا، بل هو جزء من رحلتكِ نحو التعاف،مهما كانت الظروف المحيطة بكِ، لا تصدقي من يقول إن المرأة يجب أن تكون دائمًا تابعة أو أن تعتمد على غيرها، لكِ الحق في التعلم، في العمل، في الاستقلال المالي، وفي أن تكوني صانعة قرار في حياتكِ ،التحديات قد تكون كثيرة، لكن لكل مشكلة حل، ولكل باب مغلق طريق آخر يُفتح،إذا كنتِ تمرين بصعوبات نفسية أو صحية، لا تخجلي من البحث عن مساعدة، الدعم ليس ضعفًا، بل هو جزء من القوة، تذكري أنكِ لستِ وحدكِ في هذه الرحلة، وهناك دائمًا من يمكنه الوقوف معكِ.
الكثيرمن النساء يخشين من “كلام الناس”، من نظرة المجتمع، ومن القيود التي يفرضها الآخرون عليهن. لكن الحقيقة هي أن المجتمع لا يتغير إلا عندما تتغير النساء أنفسهن ويبدأن بالمطالبة بحقوقهن بجرأة،وإذا كنتِ قد مررتِ بتجربة مؤلمة، سواء كانت حادثة، فقدان، ظلم، أو أي تحدٍ آخر، تذكري أن الماضي لا يحدد من أنتِ، أنتِ من تصنعين مستقبلكِ، وأنتِ من تملكين القرار حول كيف ستكملين حياتكِ بعد كل ما حدث. اجعلي ألمكِ قوة، لا سجنًا يحاصركِ.