دعكَ من انطلاق القوات الامريكية في غزو العراق من بلد عربي مجاور، ودعكَ من انّ الذين افتوا بمقاومة المحتل كانوا قد افتوا بوجوب مصافحته وتقبيل وجنتيه، ودعكَ من انّ أعداء الشيطان الأكبر كانوا يعينونه على إتمام حربه وتحقيق أهدافه، ودعكَ من الأكاذيب الكبرى التي ساقوها لتبرير تدمير بلد كامل من اجل اقتلاع شخص واحد، ودعكَ من التعذيب في سجن أبو غريب، ودعكَ في الرمي العشوائي على المدنيين في شوارع بغداد ومداهمة النساء والأطفال النائمين في بيوتهم آخر الليل، ودعكَ من انَّ الذين يدّعون السهر على بناء البلد وتمثيله في المحافل المحلية والدولية كانوا من دعاة هدمه ومتطوعين بمعاولهم في تجريف خمسة الاف سنة من عمر بلاد الرافدين، ذلك انّ العراق خرج عارياً بعد اليوم الأول للاحتلال من دون مدرسة أو مستشفى أو تعليم أو رعاية اجتماعية أو بحث علمي أو صناعة أو كهرباء أو زراعة أو بنوك أو شرطة، وجرى ترقيع كل ذلك في عشرين سنة من دون نتيجة تعادل ما لدى أفقر دول المنطقة. ومع كل تلك النتائج الكارثية أقول لكَ دعكَ من ذلك وسواه الالاف، وتعال الى المواطن العراقي الذي ولد في سنة 2003 التي وقع فيها الغزو حاملاً عنوان عملية « حرية العراق»، وراجع تسلسل مراحل حياته. أليس المنطق يقول انّ جميع ما يندرج تحت عنوان تلك الحرية، من ازدهار في مفاصل المجتمع وتعليمه وصحته وثقافته وصناعته وزراعته وأمنه ورفاهيته النفطية قد تحقق لذلك الطفل العراقي المولود في تلك السنة الموعودة.
هذا الجيل الذي لم يعش ما مضى من زمن كانت فيه الحروب حالة يومية على مدى عقدين وسمع من الآباء والامهات كيف كانت الآمال مُنعقدة على يوم الخلاص للالتحاق بركب الحياة الامنة المدنية، وجدَ نفسه نهباً لهجين من حروب داخلية وخارجية، حروب دينية وعقائدية عمرها قرون، حروب وصلت الى حد لجوء المواطن لتغيير اسمه ولقبه لضمان بقاء رقبته على رأسه ولم يكن ينجو أيضاً، حروب وجودية كادت تمسح هويته للأبد، وبات من العيب أن يتمسك المرء بعروبته أو حتى عراقيته بوصفهما في نظر الشرقي المجاور والغربي الغازي سُبةً ومثلبةً تاريخيةً ووسيلة دفاع عن الذات التي باتت عارية من عوامل الضمان، وما ينبغي لها ان تدافع عن نفسها، لأنها كانت في أساس ديباجة الحرب، موضوعَ التحطيم المشترك.
لم تقطف أمريكا من جيل العراقيين الذي ولد بعد غزوهم بلاده سوى الكراهية، ليس لذات الامريكان، ولكن بسبب ما جرفوه مع دباباتهم من جيف ترتدي الأزياء المزركشة، وأغرقوا بها بلاد الأنبياء.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية