الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شذرات ذاكرة كردستانية.. من التأييد للفيدرالية إلى الدعوة لويستفاليا مشرقية

بواسطة azzaman

شذرات ذاكرة كردستانية.. من التأييد للفيدرالية إلى الدعوة لويستفاليا مشرقية

عبد الحسين شعبان

 

وخلال التسعينيات قدمت عددًا من الاقتراحات لقيادة الإقليم، ولبّيت أكثر من طلب للاستشارات، وهي اقتراحات في الصميم تعبيرًا عن تضامني مع الشعب الكردي، وحرصي على تطوير العلاقات مع العرب، منها إطلاق أسماء شوارع ومؤسسات ومرافق وساحات عامة على شخصيات عربية لتعزيز العلاقات العربية - الكردية، وهو ما حصل بالفعل، حيث تم إطلاق أسماء جمال عبد الناصر وكامل الجادرجي وعزيز شريف والسيد محسن الحكيم على بعض المؤسسات.كما اقترحت على القيادة الكردية تأسيس وزارة لحقوق الإنسان، وهو ما تبنّته وعرضته على البرلمان لاحقًا، والذي اتّخذ به قرارًا، لتقوم بتكليفي لبلورة هذا المقترح بصورة عملية، حيث قمت بصياغة كل ما يتعلّق  بتأسيس هذه الوزارة، أي أهدافها ووسائل الوصول إليها ومخرجاتها ومدخلاتها ومديرياتها الرئيسية وأقسامها، وأهم الاتفاقيات الدولية التي ينبغي مراعاتها واحترامها،  وهو ما أصبح جاهزًا للتنفيذ في العام 2000، واختير أول وزير لها في العام 2001، (الأستاذ محمد إحسان).في التسعينيات أيضًا، عملت على تكريس موقع القضية الكردية عربيًا وعالميًا، وذلك في إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان (القاهرة)، حيث كانت تصدر تقريرًا سنويًا سترى أنه ليس بعيدًا عن قلمي أو تعديلاتي أو تدقيقاتي. ويمكن مراجعة تقارير المنظمة خلال عملي فيها وسترى موقع كردستان فيها وعلى الأقل لنحو عقد ونيف من الزمان.

كما إنني صغتُ مبدأ حق تقرير المصير للحركة العربية لحقوق الإنسان في الرباط (المغرب)، حيث صدرت عنه أهم وثيقة عربية حقوقية (1998)، كنت قد كتبتها بالتعاون مع الصديق الراحل محمد السيّد سعيد من مصر.

وعملت على إدراج القضية الكردية وحقوق الكرد في مؤتمر شتوتغارت (ألمانيا) ومؤتمر برشلونة (إسبانيا) ومؤتمر مرسيليا (فرنسا) ومؤتمر كوبنهاغن (الدانيمارك)، التي انعقدت عشية الألفية الثالثة وفي مطلعها، إضافة إلى مؤتمر كيوتو (الإكوادور) 2005، والعديد من مؤتمرات الفيدرالية الدولية والشبكة الأورمتوسطية لحقوق الإنسان والمعهد الدانيماركي لحقوق الإنسان، كما كانت صلتي وطيدة بمنظمة العفو الدولية في لندن، التي كانت دائمًا ما تدقّق بعض تقاريرها معي قبل نشرها، ولو راجعت ما كتبناه حول هذه المواضيع في الصحف والمجلات العربية، ولاسيّما صحيفة الحياة اللندنية ودعوتي إلى الفيدرالية 1992، وكذلك «مجلة الضمير»، التي كنّا نصــــــدرها في لندن في إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ستـــــرى الكثير من الشـــواهد.

بلاد الشمس

وبناءً على طلب كردي من أكثر من صديق ومن أكثر من جهة، أنوي جمع ما كتبته عن القضية الكردية، بما فيه الفيدرالية وحق تقرير المصير في كتاب أو أكثر، إضافة إلى ما ورد في كتابي «عاصفة على بلاد الشمس» (1994)، الذي تضمن  فصلًا خاصًا عن القضية الكردية، كما يمكن مراجعة كتابي «المحاكمة - المشهد المحذوف من دراما الخليج» (1992)، إضافة إلى عدد من الدراسات والأبحاث التي تتوزّع على حقول مختلفة

الفيدرالية في إطار حق تقرير المصير

كنت قد صغت مبدأ الفيدرالية في التقرير الذي صدر عن مؤتمر صلاح الدين (1992) على الرغم من تحفّظ البعض، وذلك بعد الاجتماع التمهيدي (أيلول / سبتمبر 1992)، الذي أقرّ ما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر فيينا، وذلك بعد أن تبنّى البرلمان الكردستاني «الاتحاد الفيدرالي» كصيغة قانونية مع بغداد، في إطار مستقبلي، وكان هناك من اعتبر الفيدرالية الاتحادية بمثابة «الولايات» في الدولة الإسلامية، كتبرير للقبول بفكرة الفيدرالية.

وأعتقد أن ما ورد في الدستور العراقي (قانون إدارة الدولة 2004، والدستور الدائم 2005)، لا يعكس صيغة فيدرالية حقيقية كما هو متعارف عليها في الفيدراليات، خصوصًا بعدم تشكيل فيدراليات أخرى، أي أقاليم، وعدم قيام المجلس الاتحادي، وبقاء عدد من القضايا معلّقة، بما فيها الاستفتاء على ما سمّي بالمناطق المتنازع عليها أو المادة 140، لاسيّما بشأن كركوك أو بصلاحيات الإقليم أو بغداد، حيث وجدت الكثير من الألغام التي تحتاج إلى إزالتها وتنقية العلاقات العربية - الكردية من أوهام تسلّط الماضي ومن تبعات الانفلات المستقبلي.

وأستطيع القول أن نظامًا فيدراليًا سليمًا وقائمًا على قواعد قانونية واضحة، لاسيّما بتوزيع الصلاحيات بين المركز والإقليم، وفي إطار القواعد العامة للنظام الفيدرالي وأخذ الخصوصية العراقية بنظر الاعتبار، هو النظام الأفضل، دون نسيان الوظيفة التنموية التي تشارك فيها الدولة بدور مهم وأساسي في بلدان العالم الثالث.

الاستفتاء الكردي

بعد الاستفتاء الكردي 17 أيلول / سبتمبر 2017، كتبت 7 مقالات وأدليت بتصريحات وحوارات لتأكيد لُحمة العلاقات العربية - الكردية، ونظمنا عبر منتدى الفكر العربي، بإشراف سمو الأمير الحسن، مؤتمرًا كبيرًا للحوار العربي - الكردي، حضرته نخبة متميّزة من الكرد والعرب من أقطار مختلفة، وذلك في محاولة لرأب الصدع والدعوة إلى الحوار والتفاهم.

كما كنت منذ نحو عقدين من الزمان، أدعو لحوار مثقفي الأمم الأربعة (الكرد، والترك، والفرس، والعرب) للبحث في المشتركات والجوامع الإنسانية، وتقليص الفوارق والمختلفات، وقد نظمنا مبادرة باقتراح مني  في العام 2016  لعقد اجتماع في تونس حضره نخبة من المعنيين، وانبثقت عنه لجنة تنسيق، ثم عقدنا اجتماعات في بيروت وتكلّل بتشكيل منتدى التكامل الإقليمي، وهذا الأخير يحتاج إلى تعضيد وتدعيم ليقوم كمؤسسة لها حضورها.

وقد بادرنا مع سمو الأمير الحسن وبإشرافه على تنظيم مؤتمر أعمدة الأمة الأربعة، ضمّ عددًا من المثقفين الكرد والفرس والترك والعرب، وتأسست لجنة متابعة ما تزال تسعى لعقد مؤتمر ثان، حيث تعطّل عملها بسبب وباء كورونا، وما تبعه من أزمات طالت المنطقة. وقد جرى مؤخرًا وفي إطار المنتدى بحضور سمو الأمير الاهتمام بتطوير الفكرة ودراسة إمكانية مأسستها وتوسيع دائرة التعاون الثقافي والفني والأدبي وحركة الترجمة والزيارات واللغات وغيرها من الاعتبارات. وهذه الفكرة تلقى صدىً عراقيًا رسميًا، وفي إطار المجتمع المدني.

لقد انعقدت العديد من المؤتمرات وأقيمت العديد من الندوات، وتشكّلت جمعيات عربية - كردية للصداقة، ونشأت أشكالًا جديدة من التلاحم والترابط، لكن ذلك يحتاج إلى إطار فكري - حقوقي مرجعي مؤسسي، لكي يتعامل مع المتغيرات والمستجدات، ويأخذ بنظر الاعتبار المشتركات الإنسانية لتعظيم الجوامع وتقليص الفوارق، خصوصًا حين نفتّش عن نقاط الالتقاء والجوانب الإنسانية في الأدب والفن والثقافة.

مع البيشمركة في كردستان

كنت قد قررت  الالتحاق بقوات الأنصار في مطلع الثمانينيات، وقضيت سنة وبضعة أشهر في عدد من المواقع، منها موقع نوكان - ناوزنك بعد رحلة مثيرة رويتها في كتابي الموسوم «بشتاشان - وثمة ذاكرة» (2024)، كما قضيت بضعة أشهر أخرى في بشتاشان، ودوّنت ما اختزنت به الذاكرة من أحداث مؤسفة ومأساوية رافقت تلك الفترة، خصوصًا الهجوم الذي تعرّضت له فصائل الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، لاسيّما الحزب الاشتراكي الكردستاني والحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني، من جانب الاتحاد الوطني الكردستاني (أوك)، وسقوط نحو 70 ضحية من الشيوعيين قتلوا بدم بارد، الأمر الذي يحتاج إلى تنقية العلاقات بين القوى الوطنية للاستفادة من هذه التجربة.

كما رويت ما حصل لنا خلال الانسحاب عبر جبل قنديل، وما رافق ذلك من تداعيات. وهي تجربة تحتاج إلى نقدها، وقيمة أي تجربة بنقدها، ودعوت قيادات الاتحاد الوطني إلى تقديم الاعتذار من الضحايا وعوائلهم كجزء من المساعي التي تستوجب معالجة آثار الماضي بروح التسامح ودون ثأر أو كيدية، وفي إطار قواعد العدالة الانتقالية.

في جامعة صلاح الدين

درّست مرتين في جامعة صلاح الدين، ففي المرة الأولى 1999 - 2001، كنت أسافر من لندن إلى تركيا لأنتقل عبر معبر ابراهيم الخليل على الحدود التركية إلى أربيل في ظلّ المخاطر المعروفة آنذاك، لأقضي بضعة أسابيع أستكمل فيها المنهج المخصص لدراسة الدكتوراه بصورة مكثّفة، وأقوم بتصحيح دفاتر الامتحانات ووضع العلامات لأعود من حيث أتيت، ثم أحضر مرّة أخرى في الفصل الذي يليه.

 وقد قام طلبتي بطبع المحاضرات التي كنت ألقيها عليهم، واعتُبرت مرجعًا للسنوات التي أعقبتها.

 أما في المرحلة الثانية بين 2008 – 2011، اخترت إقليم كردستان وجامعة صلاح الدين تحديدًا وكلية القانون والسياسة، التي سبق أن درّست فيها، وذلك بعد إعادتي إلى الخدمة وإنهاء تبعات الفصل السياسي الذي صدر بحقي في العام 1980، حيث رُقّن قيد. وهكذا قضيت المدّة المتبقية للتقاعد في الجامعة حتى بلغت السن القانوني، واعتذرت عن تمديد الفترة بسبب ارتباطات أخرى في جامعة اللّاعنف وحقوق الإنسان في العالم العربي (بيروت)، وأستطيع القول أن فترة وجودي في كلية القانون والسياسة كانت من أجمل الفترات، خصوصًا السمينارات السبعة التي قدّمتها للأساتذة ولطلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه).

وكنت على مدار العقود الثلاثة ونيف المنصرمة قد ألقيت عشرات المحاضرات في الجامعات في أربيل وعينكاوة والسليمانية ودهوك وكويسنجق في مواضيع شتّى، إضافة إلى منتديات أدبية وثقافية واتحادات الأدباء والحقوقيين والصحافيين وجمعية كاوة وجمعية الصداقة العربية - الكردية وغيرها.

ولذلك قلت أن كردستان تحتل جزءًا مهمًا من سردياتي، وما كتبته ليس سوى شذرات من ذاكرتي الكردستانية. وأكرّر ذلك الآن أن مواقفي الداعمة لحقوق الكرد ليست منةً تتطلّب مقابل، بل إنها واجب إنساني وأخلاقي، حتى قبل أن تكون موقفًا فكريــًا أو حقوقيًـــــا.

 وأشعر باستمرار أن هذه المواقف تزيدني إنسانيةً وتظهر الوجه الثقافي والحضاري للعروبة، ناهيك عن الانتماء لمواطنة عراقية متكافئة ومتساوية ومنفتحة على بعضها

 نشرت في مجلة كردستان بالعربي (العدد 6) تشرين الاول / أكتوبر 2024.


مشاهدات 70
الكاتب عبد الحسين شعبان
أضيف 2024/10/19 - 12:40 AM
آخر تحديث 2024/10/19 - 2:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 273 الشهر 7807 الكلي 10037530
الوقت الآن
السبت 2024/10/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير