الدولة الحضارية الحديثة .. جدل المصطلح

محمد عبد الجبار الشبوط

هناك جدل عالمي حول مصطلح الدولة الحضارية الذي يترجم الى اللغة الانكليزية بطريقتين هما: civilization state و civilizational state. ويدور هذا الجدل بين طرفين هما: الطرف الغربي، الذي يضم بشكل اساسي اوروبا، والطرف الاخر الذي تتزعمه الصين وروسيا وبدرجة اقل الهند.

اول من استخدم مصطلح «الدولة الحضارية» الصحفي البريطاني  جاك مارتن في كتابه «حينما تحكم الصين» الصادر عام 2009وتمت ترجمته الى العربية عام 2010من قبل د فاطمة نصر حيث وصف الصين بانها دولة-حضارة civilization-state (ص 252)

قال جاك مارتن: اليوم، تتمتع الصين بما يمكن وصفه بأنه هوية مزدوجة: كدولة وطنية وكدولة حضارية. من خلال التاريخ والبناء، فهي دولة حضارية؛ نتيجةً لضعفها الدولي، اضطرت إلى أن تصبح دولة وطنية. أو، كما لاحظ لوسيان باي بوعي حاد، «الصين هي حضارة تتظاهر بأنها دولة وطنية».

اللغة الانكليزية

ويبدو ان  الكاتب الصيني زهانك وي وي تلقف المصطلح   في كتابه The China Wave الصادر سنة 2011وترجم الى اللغة الانجليزية سنة2012. وقد استخدم المترجم مصطلح  civilizational state. وبعد ذلك اثار الكتاب موجة من ردود الافعال مازالت مستمرة الى اليوم.

يقول وي وي في مقدمة الكتاب: « أن صعود الصين ليس صعود دولة عادية ، بل صعود دولة مميزة بذاتها ، دولة حضارية ، نموذج تنمية جديد وخطاب سياسي جديد يشكك في العديد من الافتراضات الغربية حول الديمقراطية والحكم الجيد وحقوق الإنسان ، وكل هذا قد يشجع على موجة من التغيير غير مسبوق في التاريخ البشري.  ثم خصص فصلا كاملا بعنوان صعود الدولة الحضارية قال فيه:  «ان صعود الصين يمثل صعود نوع مختلف من الدول ، والسبب الرئيسي لصعود الصين هو التمسك بمسارها الخاص للتنمية ، وبالتالي ، فهي تتعلم الكثير من الدول الأخرى من جهة ، ومن جهة اخرى  أظهرت قوتها الخاصة وتخطت النموذج الغربي ، وهو صعود دولة حضارية تمتزج فيها أطول حضارة مستمرة في العالم مع دولة حديثة ضخمة». وبين انه من أجل فهم صعود الدولة الحضارية ، من المفيد ربما أن نذكر فهمنا لمفهوم الدولة القومية nation state. عمومًا حيث يشير مفهوم الدولة القومية إلى دولة مكونة من أفراد يشتركون في بعض الصفات المشتركة مثل اللغة والدين ونمط الحياة. أوروبا هي مهد الدول القومية. ولكن القومية ثبتت أنها سبب رئيسي للصراعات والحروب في أوروبا وخارجها. خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ظهرت الدول القومية واحدة تلو الأخرى في أوروبا. وبالتالي يُفهم من كلام وي وي ان نموذج الدولة الحضارية كما تقدمه الصين هو بدل الدولة القومية الذي قدمته اوروبا.

وفي هذا السياق لاحظ وي وي عن حق ان  بعض العلماء الغربيين استخدموا بالفعل مصطلح الدولة الحضارية civilization state لوصف الصين ، معتبرين أنه في حين كانت دولة الصين القومية لا تزال في عملية التكوين ، فإن الصين كدولة حضارية لديها تاريخ يمتد لآلاف السنين.

ويعود هذا الطرح الى وقت اسبق حيث نشرت مجلة Foreign Affairs في عددها الصادر في ايلول عام 1990 مقالا بقلم Lucian Pye جاء فيه: نقطة البداية لفهم المشكلة هي الاعتراف بأن الصين ليست مجرد دولة قومية أخرى في عائلة الدول. الصين هي حضارة تتظاهر بأنها دولة. قد يمكن وصف قصة الصين الحديثة بأنها محاولة كل من الصينيين والأجانب لضغط حضارة داخل إطار الدولة الحديثة المحدودة والتي نشأت نتيجة تشتت الحضارة الغربية ذاتها. واثار هذا الطرح حفيظة الكتاب الغربيين الذين نشروا العديد من المقالات والكتب في نقد مفهوم الدولة الحضارية حسب النموذج الصيني-الروسي-الهندي.

ولعل من اهم الكتب في هذا المجال كتاب «صعود الدولة الحضارية» بقلم كريستوفر كوك الصادر عام 2019، وقد استخدم المؤلف مصطلح   Civilizational State وهو يربط هذه الفكرة بدول الصين وروسيا والهند التي يقول انها اعلنت نفسها دولا حضارية، ويتحدث بصورة سلبية عن هذه الدول ويقول انها دول غير ديمقراطية، ومعادية للقيم الغربية، وتسعى الى تغيير النظام الدولي الحالي.

وبهذا اصبح لدينا ثلاثة مصطلحات للدولة الحضارية باللغة الانجليزية وهي:

اولا، civilization state   اي دولة حضارة معينة، كدولة الحضارة الصينية.

ثانيا، civilizational state اي الدولة الحضارية اي الدولة القائمة على اساس المنظومة القيمية الحافة بالمركب الحضاري.

ثالثا، civilized state اي الدولة المتحضرة، المتقدمة.

الدولة المدنية

وفي كل هذه المصطلحات لا معنى لمصطلح الدولة المدنية civil state الذي يستخدمه بعض الناس عندنا الا اذا كان المقصود ما يقابل الدولة الدينية (مثل الفاتيكان) او الدولة العسكرية (مثل انظمة الانقلابات العسكرية في دول العالم الثالث)، وكلاهما غير مطروحين للنقاش، او الدولة العلمانية وفي هذه الحالة لا داعي للتستر وراء مصطلح مفبرك احر. نعم يصح استخدام مصطلح المجتمع المدني civil society  وهذا ما جرى على استخدامه الفلاسفة وعلماء الاجتماع الغربيون. وهو مصطلح قديم يدل على  معان عدة في تاريخ الفكر السياسي، وكان معناه الأصلي في الفكر الغربي مختلفًا إلى حد ما عن وضعه المتقلب الحالي. بالنسبة للمؤلف الروماني شيشرون، فإن المجتمع المدني (وهو في حد ذاته استعارة من أرسطو) يشير إلى مجتمع سياسي على نطاق معين (يشمل عادة أكثر من مدينة واحدة في بوصلته) يحكمه حكم القانون ويتمثل بدرجة من الحرية. التحضر. تم فهم هذا النوع من المجتمع على النقيض من الشعوب غير المتحضرة أو البربرية. لقد تحول هذا الاستخدام المفاهيمي من قبل مفكرين أوروبيين مختلفين خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكانت النتيجة أن المجتمع المدني أصبح يحمل مجموعة مختلفة نوعًا ما من الدلالات. ولا يشكل مرادفا لمصطلح الدولة الحضارية الحديثة.

من ناحيتي، انا استخدم مصطلح الدولة الحضارية الحديثة منذ عام 2007. وحين استخدمت المصطلح لاول مرة استغرب بعض الناس منه وعبروا عن تحفظهم منه. وتوهم البعض انه قد يكون استعاضة عن مصطلح «الدولة الاسلامية» المستخدم على نطاق واسع من قبل الاسلاميين. وهذا لا يصح؛ لان الدولة الاسلامية تعني الالتزام الحرفي بتطبيق الشريعة الاسلامية. وهذا الالتزام قد ينطبق او لا ينطبق على الدولة الحضارية الحديثة بحسب الخيارات الانتخابية المعتمدة.