الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفيديوهات الدعائية وتحدّيات التعليم الصيني

بواسطة azzaman

الفيديوهات الدعائية وتحدّيات التعليم الصيني

محمد الربيعي

 

تطفو على السطح بين الحين والاخر مقاطع فيديو دعائية تمجد النظام التربوي الصيني مصورة اياه كنموذج يحتذى به في تحقيق التفوق التعليمي والاكاديمي. لكن خلف هذا البريق الاعلامي تكمن حقائق دامغة تشير الى تحديات جوهرية يعاني منها هذا النظام وتجعله بعيدا كل البعد عن الانظمة التعليمية الرائدة التي تركز على بناء جيل مفكر ومبدع، كتلك الموجودة في سنغافورة وكوريا الجنوبية وفنلندا.

اجدني في عناء شديد لتوضيح هذه الحقيقة، اذ اواجه موجة متواصلة من الفيديوهات الدعائية التي تقدم صورة مضللة عن واقع التعليم في الصين. والجدير بالذكر ان اغلب هذه الفيديوهات، كما يتفق معي الكثيرون، مليئة بالمبالغات والأكاذيب والتزوير والمعلومات المضللة، والتي تسعى لتضخيم الأحداث وتحريف الحقائق لخدمة اجندات معينة.

كلفة باهظة

ان الثناء المبالغ فيه على النظام الصيني في هذه الفيديوهات الدعائية يتجاهل عمدا او عن قصد الكلفة الباهظة التي يدفعها الطلاب الصينيون على صعيد صحتهم النفسية وقدرتهم على التفكير النقدي والابداعي. فكما هو موثق يتميز النظام التعليمي الصيني بضغطه الهائل ومستويات المنافسة الشرسة بين الطلاب وهو ما يخلق بيئة خانقة تولد مستويات عالية من التوتر والقلق المزمن وتترك اثارا سلبية عميقة على صحتهم النفسية ورفاههم العام. ويتجلى التباين الصارخ في المناهج التربوية بوضوح عند مقارنتها بالأساليب والطرق المبتكرة والفعالة المتبعة في النظام التعليمي الفنلندي، الذي يحظى بأشادة واسعة كواحد من افضل الأنظمة التعليمية على مستوى العالم.

والأكثر اشكالا ان هذا التركيز المفرط على ابداعات النخبة في هذه الفيديوهات يتجاهل بشكل كبير امكانات وابداعات القاعدة الشعبية، وهو ما يشكل تناقضا جوهريا مع الفلسفة التربوية المعلنة لدولة اشتراكية كالصين. فبدلا من تعزيز تكافؤ الفرص وتنمية المواهب الجماعية، يبدو ان هذه المواد الإعلامية ترسخ صورة نمطية للابداع محصورة في فئة قليلة، مما قد يؤدي الى تثبيط عزيمة الأفراد العاديين وتقويض مبادئ العدالة الاجتماعية التي تدعي الدولة تبنيها.

ولا يقتصر هذا الضغط على الطلاب في المراحل الدراسية المتقدمة بل يبدا منذ مرحلة ما قبل التعليم المدرسي حيث يواجه الاطفال في سن مبكرة ضغوطا كبيرة نتيجة التوقعات العالية من الاهالي والمؤسسات التعليمية. في هذه المرحلة يتم دفع الاطفال الى الانخراط في برامج تعليمية مكثفة تهدف الى اعدادهم للنجاح الاكاديمي في المستقبل مما يؤدي الى تقليل وقت اللعب الحر والانشطة الابداعية التي تعتبر ضرورية لنموهم النفسي والاجتماعي. هذا النهج يخلق بيئة تنافسية حتى بين الاطفال الصغار، ويؤثر سلبا على تطورهم الطبيعي ويزيد من مستويات القلق لديهم.

احد ابرز الانتقادات الموجهة لهذا النظام هو اعتماده المفرط على الحفظ والتلقين كأساس للتعلم على حساب تطوير مهارات التفكير النقدي والابداعي. هذا التركيز الاحادي الجانب يحد بشكل كبير من قدرة الطلاب على التفكير بشكل مستقل وتحليل المعلومات بعمق وايجاد حلول مبتكرة للمشكلات المعقدة. مهارات التفكير ضعيفة عند الطلاب الصينيين كما تشير اليه بعض الدراسات وذلك بسبب نقص التحفيز والتحديات الاكاديمية التي تعزز الاستقلالية الفكرية.


مشاهدات 33
الكاتب محمد الربيعي
أضيف 2025/04/19 - 4:05 PM
آخر تحديث 2025/04/20 - 1:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 118 الشهر 20044 الكلي 10900691
الوقت الآن
الأحد 2025/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير