حين تُباع القيم باسم السياسة
فاطمة علي
ليست كلمة التطبيع مجرد مصطلح سياسي عابر، بل هي بوابة خطيرة تُفتح على مصراعيها لبيع كل ما ذُكر في الإسلام من قيم ومبادئ. التطبيع ليس اتفاقًا على ورق، بل موقف أخلاقي، وانحياز فكري، واختيار مصيري يضع الإنسان أمام مرآة إيمانه قبل أن يضعه أمام موائد السياسة.
التطبيع يعني أن تبيع دينك ودنياك معًا، أن تستبدل ثوابت العقيدة بمصالح مؤقتة، وأن تُفرّط في العدالة باسم “الواقعية السياسية”. هو انتقال من موقع الشاهد على الحق إلى موقع المتواطئ مع الباطل، ومن الانتماء للأمة إلى الارتهان لمشاريع لا ترى في الإنسان سوى أداة.
حين يُسوَّق التطبيع كخيار عقلاني، يُغفل عمدًا أنه مسخٌ للقيم، وسلخٌ للهوية، وإلغاءٌ لشهادة الإسلام التي تقوم على الولاء للحق والبراءة من الظلم. فالإيمان بالله ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة، بل التزامٌ أخلاقي يُختبر عند المنعطفات الكبرى. ومن يتنازل هنا، يفتح الباب لتنازلات لا تنتهي.
التطبيع لا يصنع سلامًا حقيقيًا، لأنه يقوم على إنكار المظلوم وتبرير الظالم. سلامٌ بلا عدالة وهم، واتفاقٌ بلا كرامة خداع. وما يُبنى على تهميش الحق لا يمكن أن يستقر، بل يتحول إلى عبء أخلاقي يلاحق أصحابه، ويُسجَّل عليهم في ذاكرة الشعوب قبل صفحات التاريخ.
الأخطر أن التطبيع يحوّل الإنسان إلى أداة بيد شياطين الأرض، يُدار من خارج ضميره، وتُعاد صياغة وعيه ليبرر ما كان يرفضه بالأمس. وهنا لا يكون السقوط سياسيًا فحسب، بل سقوطًا إنسانيًا وروحيًا.
إن الموقف من التطبيع ليس ترفًا فكريًا ولا مزايدة خطابية، بل امتحان للثبات على القيم. فإما أن نكون أوفياء لما نؤمن به، أو نختار الطريق الأسهل الذي ينتهي بفقدان كل شيء. وفي لحظات كهذه، لا يُقاس الرجال بما يربحون، بل بما يرفضون بيعه.