الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يكون الراتب ثمنًا للصمت المرأة العاملة في العراق

بواسطة azzaman

حين يكون الراتب ثمنًا للصمت المرأة العاملة في العراق

مها العدواني


رغم التقدّم النسبي في مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة ، ما تزال المرأة العاملة تواجه تحديات مركّبة تتداخل فيها العوامل القانونية والاجتماعية والاقتصادية ، لتجعل من بيئة العمل مساحة غير آمنة أو غير عادلة في كثير من الأحيان .
وبينما تكفل القوانين العراقية حقوقًا أساسية للمرأة ، يبقى التطبيق العملي لهذه النصوص محدودًا ، ما يخلق فجوة واضحة بين القانون والواقع ، فما بين مشاركة محدودة وفرص غير متكافئة .

تشير تقارير محلية ودولية إلى أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل العراقي تُعد من بين الأدنى في المنطقة ، تعود هذه النسبة المتدنية إلى جملة أسباب ، أبرزها القوالب الاجتماعية التي تحصر دور المرأة في الإطار الأسري ، إضافة إلى ضعف الفرص المتاحة أمامها ، وتركّزها غالبًا في قطاعات محدودة كالتعليم أو الصحة ، مع صعوبة وصولها إلى مواقع صنع القرار أو الوظائف القيادية .

في الواقع ، كثير من النساء الحاصلات على شهادات جامعية يجدن أنفسهن عاطلات عن العمل أو مضطرات للقبول بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهن ، فيما يُفضَّل الرجل في التعيين أو الترقية بحجة الاستقرار الوظيفي أو عدم الانقطاع بسبب الحمل أو الالتزامات الأسرية .

اما فيما يتعلق بالتحرش والتمييز في بيئة العمل
يُعدّ التحرش في مكان العمل من أكثر القضايا حساسية التي تواجه المرأة العاملة في العراق ، تتراوح أشكاله بين الإيحاءات اللفظية والتلميحات غير اللائقة ، وصولًا إلى الابتزاز الوظيفي ، وغالبًا ما تلتزم الضحية الصمت خوفًا من فقدان وظيفتها أو التعرّض للهجوم الاجتماعي ، خاصة في ظل غياب آليات واضحة وآمنة لتقديم الشكاوى .

ورغم أن قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 ينص على مبدأ عدم التمييز ، إلا أنه لا يتضمن نصوصًا صريحة ومفصلة تجرّم التحرش الجنسي في مكان العمل ، ولا يوفّر إجراءات حماية كافية للضحايا ، ما يجعل الكثير من الانتهاكات تمر دون مساءلة حقيقية .

الأمومة بين الحق القانوني وضغط الواقع فان قانون العمل العراقي يكفل للمرأة العاملة حق إجازة الحمل والوضع بأجر كامل لمدة لا تقل عن 14 أسبوعًا ، إضافة إلى حمايتها من العمل في ظروف خطرة خلال فترة الحمل ، إلا أن الواقع ، خصوصًا في القطاع الخاص ، يكشف عن حالات عديدة تتعرض فيها النساء للضغط للاستقالة عند الحمل ، أو يُحرمن من الإجازة القانونية ، أو يُفصلن بشكل غير مباشر .

هذه الممارسات تعكس ضعف الرقابة على أصحاب العمل ، وغياب الوعي القانوني لدى كثير من النساء بحقوقهن ، ما يحوّل الأمومة من حق إنساني وقانوني إلى عبء وظيفي يهدد الاستقرار المهني للمرأة .

العنف الأسري وتأثيره على الاستقرار الوظيفي ، لا يمكن فصل واقع المرأة العاملة عن محيطها الأسري ، فالعنف الأسري ، سواء الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي ، ينعكس بشكل مباشر على قدرتها على الاستمرار في العمل .

وفي ظل غياب قانون نافذ ومتكامل لمناهضة العنف الأسري في العراق ، تبقى المرأة في مواجهة مفتوحة مع الانتهاكات ، دون مظلة قانونية رادعة تحميها .

كثير من النساء يُجبرن على ترك العمل بضغط من الأسرة أو الزوج ، أو يُحرمن من التحكم بدخلهن المالي ، ما يقوّض استقلاليتهن الاقتصادية ويُضعف قدرتهن على اتخاذ قرارات مصيرية .

عبء مضاعف ونقص في الخدمات الداعمة ، تتحمل المرأة العاملة عبئًا مضاعفًا بين متطلبات العمل والمسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال ، في ظل نقص واضح في خدمات الحضانات الحكومية ، وضعف سياسات ساعات العمل المرنة ، وغياب وسائل نقل آمنة في بعض المحافظات ، هذه العوامل تدفع العديد من النساء إلى الانسحاب التدريجي من سوق العمل أو القبول بوظائف هشة وتفتقر إلى الأمان الوظيفي .

وفي الختام يمكن القول إن استمرار واقع الصمت الذي تعيشه المرأة العاملة في العراق ليس دليلًا على القبول ، بل نتيجة الخوف وغياب الحماية الحقيقية ، فالراتب الذي تحصل عليه كثير من النساء لا يكون دائمًا مقابل الجهد والعمل ، بل ثمنًا للصمت على التمييز أو التحرش أو الإقصاء ، وبينما تبقى النصوص القانونية حاضرة في التشريعات ، يغيب التطبيق الجاد والرقابة الفعلية ، لتتحول الحقوق من ضمانات واجبة إلى استثناءات نادرة ، إن تمكين المرأة العاملة لا يتحقق بالشعارات ولا بالمواد القانونية غير المفعّلة ، بل بإرادة سياسية وتشريعية واضحة، وبمؤسسات قادرة على محاسبة المنتهكين ، وبثقافة مجتمعية تؤمن بأن عمل المرأة حق لا منّة، وكرامة لا تُساوَم ، فحماية المرأة في مكان العمل ليست قضية نسوية فحسب ، بل شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع منتج يحترم إنسانيته قبل أي اعتبار آخر .

 

قاضية متقاعدة


مشاهدات 67
الكاتب مها العدواني
أضيف 2025/12/27 - 1:15 AM
آخر تحديث 2025/12/27 - 3:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 151 الشهر 19809 الكلي 13003714
الوقت الآن
السبت 2025/12/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير