المجلس السياسي السني… بين الخطاب الطائفي والرهانات الإقليمية: أي مستقبل ينتظر العراق؟
عباس النوري العراقي
منذ إعلان تشكيل المجلس السياسي السني برزت أسئلة عميقة حول موقعه في المشهد العراقي، وطبيعة أدواره، وحدود تأثيره، والبيئة الإقليمية التي تتحرك داخلها بعض قياداته. فالعراق الذي يعاني من إرث ثقيل من الانقسام الطائفي، والإخفاقات السياسية، وتعدد الولاءات، يقف اليوم أمام اختبار جديد:
هل سيكون هذا المجلس خطوة نحو إعادة تنظيم التمثيل السياسي السني داخل إطار الدولة؟
أم سيعيد فتح بوابات الاستقطاب المذهبي والصراع الإقليمي على النفوذ؟
أولاً: خطاب متوتر يعيد إنتاج المخاوف
يلاحظ المتابع لخطابات بعض قيادات المجلس وجود نبرة طائفية عالية تعيد تدوير مفردات مرحلة ما قبل داعش وما بعدها. فبدلاً من تقديم برامج تنموية أو رؤى إصلاحية، يميل بعضهم إلى:
تضخيم المظلومية المذهبية.
استدعاء سرديات الصراع.
تأجيج القواعد الشعبية على أساس الهوية لا المصالح الوطنية.
هذا الخطاب لا يهدد السلم الاجتماعي فحسب، بل يفتح الباب أمام اصطفافات إقليمية تستفيد من الانقسام الداخلي لإعادة ترتيب مصالحها داخل العراق.
ثانياً: نفوذ خارجي متعدد الجهات
التحليل السياسي يشير إلى أن المجلس يتحرك داخل بيئة إقليمية معقدة، تتقاطع فيها مصالح عدة دول:
تركيا:
تسعى لتعزيز نفوذها في الشمال العراقي، وتبحث عن حلفاء سياسيين داخل الساحة السنية لتسهيل مشاريعها الأمنية والاقتصادية.
الإمارات والسعودية:
تهدفان إلى خلق توازن سياسي في مواجهة النفوذ الإيراني، وتدعمان أطرافاً سنية ترى فيها إمكانية لتثبيت هذا التوازن.
الولايات المتحدة وإسرائيل (بشكل غير مباشر):
تلعبان دوراً عبر مراكز ضغط ومصالح استراتيجية في المنطقة، دون دعم مباشر لأي كيان، لكن مع تأثيرات واضحة على شكل التوازنات السياسية.
هذه البيئة تجعل بعض القيادات عرضة للتأثر، وأحياناً الارتهان، ما يطرح سؤالاً حساساً:
هل يمكن لمجلس يحمل هذا القدر من الارتباطات أن يكون ممثلاً وطنياً مستقلاً للسنة وللعراق عموماً؟
ثالثاً: سيناريوهات العراق خلال 5–10 سنوات
السيناريو الأول: نجاح المجلس وانضواؤه تحت مظلة الدولة (استقرار نسبي)
يتحقق هذا السيناريو إذا خفّض المجلس خطابه الطائفي، وتحوّل إلى مؤسسة سياسية تقدم برامج تنموية.
عندها ستكون:
المحافظات السنية أكثر استقراراً،
والحكومة أكثر قدرة على بناء شراكات متوازنة،
والبيئة الإقليمية أقل نفوذاً داخل القرار السني.
السيناريو الثاني: فشل المجلس وتعميق الانقسام السني – السني (اضطراب سياسي)
وهو الأكثر احتمالاً حالياً، حيث تتجه المؤشرات إلى:
تشتت القيادات بين محاور متعددة (تركيا، الخليج، الولايات المتحدة).
ارتفاع الخطاب الطائفي.
تنافس داخل البيت السني نفسه على الزعامة والنفوذ.
هذا السيناريو سيؤدي إلى:
إعادة إنتاج الفوضى القديمة،
إضعاف الدولة،
وفتح الباب أمام صراعات سياسية داخل المحافظات السنية.
السيناريو الثالث: تفكك المجلس وصعود نخب وطنية جديدة (تحول إيجابي)
وهو السيناريو الأفضل للعراق على المدى البعيد، لكنه الأقل احتمالاً.
يتحقق عندما:
تفقد القيادات الحالية قدرتها على التأثير،
وتظهر نخب شابة تحمل خطاباً وطنياً يتجاوز الطائفية،
وتدعمها بيئة سياسية جديدة تعطي الأولوية لمفهوم الدولة لا الهويات المتنافرة.
هذا المسار سيقوّي الدولة العراقية ويعيد ترتيب العلاقة بين المركز والمحافظات على أساس المواطنة، لا الانتماء الطائفي أو الإقليمي.
خلاصة
العراق اليوم بحاجة إلى كيانات سياسية وطنية لا مجالس هوياتية.
والمجلس السياسي السني يقف أمام اختبار تاريخي:
إما أن يتحول إلى مؤسسة تكمّل الدولة وتخدم مصالح العراقيين،
أو يصبح حلقة جديدة في سلسلة الانقسامات التي دفعت البلاد ثمناً باهظاً لها طوال العقدين الماضيين.
إن مستقبل العراق في السنوات القادمة سيُبنى على قدرة القوى السياسية، ومنها هذا المجلس، على تجاوز لحظة الخطاب الطائفي، والانتقال إلى مرحلة بناء دولة قوية، عادلة، بلا تبعية ولا استقطاب خارجي.