الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فروض الأمن القومي العراقي

بواسطة azzaman

فروض الأمن القومي العراقي

علي السراي

 

الأمن القومي العراقي ليس مصطلحًا أكاديميًا ولا شعارًا يُرفع في الأزمات، بل هو مسألة بقاء تمس يوميا حياة كل مواطن. فسيادة العراق واستقراره وأمنه ليست قضايا نخبوية تناقَش في المؤتمرات، بل هي ما يحدد إن كان المواطن سيستيقظ على صوت المدارس أو على دويّ الانفجارات، وهل سيصل راتبه في موعده أم ستلتهمه الأزمات السياسية والاقتصادية. أول فروض الأمن القومي هو استعادة السيادة الحقيقية للدولة العراقية، بحيث يكون القرار الوطني نابعًا من بغداد لا من عواصم أخرى، وأن يكون السلاح بيد مؤسسات الدولة فقط. فحين تُدار المعارك وتُعقد الصفقات خارج إرادة الحكومة، تتحول السيادة إلى شعار فارغ، ويتحوّل الوطن إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات الآخرين. لقد دفع العراقيون ثمنًا باهظًا لتداخل المصالح الأجنبية والمسلحين في شؤونهم الداخلية. فكل تدخل خارجي أو وكلاء محليين يمثل خرقًا مباشرًا لجدار الدولة، ويضعف ثقة الناس بها. لا يمكن بناء أمن قومي في بلدٍ تُنتهك حدوده من الخارج وتُخترق مؤسساته من الداخل، ولا يمكن الحديث عن استقرار طالما أن المواطن يخشى من ولاءات متقاطعة تحكم الشارع أكثر مما تحكمه القوانين.

أما الخطر الداخلي فلا يقل فداحة. فالانقسام المذهبي والعشائري والمناطقي جعل المجتمع هشًّا أمام أي أزمة. الأمن القومي يبدأ من الهوية الجامعة، ومن شعور المواطن بأن الدولة تحميه لا تُميز ضده، وأن الانتماء للعراق هو المرجعية العليا لا أي انتماء آخر. لا يمكن لدولة أن تبقى متماسكة حين تتعدد “الرايات” في شوارعها أكثر من أعلامها الرسمية. ولأن الأمن لا يقوم فقط على الجدران والسلاح، فإن الاقتصاد هو جدار الحماية الأول. حين يفقد الشباب فرص العمل، وتنهار الخدمات، وتتحكم طبقات محددة بثروة النفط، يتحول الفقر إلى تهديد أمني بحد ذاته. الجوع والبطالة يخلقان فراغًا تملؤه الشعارات المتطرفة أو الولاءات المسلحة. لهذا فإن فرضيات الأمن القومي تبدأ من لقمة العيش، ومن ضمان العدالة الاجتماعية، وتوزيع الموارد بشفافية تحصّن المجتمع من الانهيار. العراق اليوم يقف أمام معادلة صعبة: كيف يحافظ على استقلاله وسط إقليم متوتر، وجيرانه يمارسون نفوذهم بأشكال متعددة؟ الحل ليس في الصدام، ولا في الارتهان، بل في بناء دولة قوية قادرة على قول “لا” حين يجب أن تُقال. دولة تعرف أن الأمن القومي لا يُستورد ولا يُستعار، بل يُبنى من داخل مؤسساتها ومن ثقة شعبها بها.

إن جوهر الأمن القومي العراقي ليس في عدد الدبابات أو بيانات الخطب، بل في قدرة العراق على أن يملك قراره وحده، وأن يُحصّن حدوده، وأن يضع مصلحة مواطنيه فوق أي اعتبار آخر. هذا هو الخط الأحمر الحقيقي الذي يجب أن يُرسم لا بالحبر السياسي، بل بوعيٍ وطني جامع لا يقبل المساومة


مشاهدات 47
الكاتب علي السراي
أضيف 2025/11/05 - 2:28 PM
آخر تحديث 2025/11/06 - 12:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 371 الشهر 4145 الكلي 12365648
الوقت الآن
الخميس 2025/11/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير